"ابتعثنا اللَّهُ لنخرح العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد"
" ورجال من المسلمين لا نعلمهم اللَّه بهم عالم، كانوا يدوون بالقرآن إذا جن عليهم الليل دوي النحل، وهم آساد لا يشبههم الأسود"
(سعد بن أبي وقاص)
أجد نفسي أمام مهمة صعبة للغاية، ألا وهي مهمة إنصاف عظماء الأمة، وخاصة الذين لم يأخذوا حقهم في التاريخ بالتأريخ لهم، فقلما تجد أحدًا يعرف شيئًا عن أبطال القادسية الذين دمّروا الإمبراطورية الفارسية التي عجزت جيوش الإغريق والرومان على تدميرها على مدار مئات السنين، وأخشى ما أخشاه أن هناك من لم يسمع أصلًا عن قائد القادسية سعد بن أبي وقاص فضلًا أن يعرف الاثنين والثلاثين ألفا من جنودها! والحقيقة أنني أردت أن أكتب عن جندي واحد من جنود القادسية اسمه "ربعي بن عامر" ليكون نموذجًا عن ذلك الجيش، ولكني تفاجأت عن قراءتي لأحداث يوم القادسية أن هناك 32000 نموذج بطولي في هذه المعركة كلٌ منها يختلف عن الآخر، لذلك آثرت أن أضم ذلك الجيش بأسره لقائمة العظماء المائة، فلقد خلد أولئك الأسود أنفسَهم بأنفسِهم في سجل الخلود الإنساني بحروفٍ من نور بعدما قدّموا للبشرية أعظم صور الفداء والتضحية، فكانوا رحمهم اللَّه كما وصفهم قائدهم سعد بن أبي وقّاص في رسالة النصر التي بعثها إلى الخليفة عمر كالأسود المفترسة صباحًا في ميدان المعركة، وفي الليل كالنحل من كثرة قراءتهم للقرآن، فمن حق هؤلاء الأبطال علينا أن نذكرهم ولو قليلًا، فلقد كان شهداء القادسية أكثر شهداء الفتوحات الإسلامية عددًا على الإطلاق، فتعالوا نستعرض معًا قصة أولئك العظماء، ولنبدأها من بداية القصة، قبل معركة القادسية بعشرات السنوات، أو لنقل قبل القادسية بمئات السنوات، مع بداية تكون الأمة الفارسية. . . .