وقد ذكر (الإمام الذهبي) في "سير أعلام النبلاء" قصة عجيبة بقوله: "فمن العجائب أن سعدًا رمى بسهم ثلاث مرات يقتل بكل سهم ويعود السهم إليه ويرمي به، أي أنه كان يأخذ سهمًا فيرمي به في المشركين فيقتل رجلًا، فيأخذ المشركون السهم فيعيدونه لسعد فيرمي به فيقتل به مرة ثانية، فيعيدون له السهم فيقتل ثالثة! " وقد افتخر سعد بهذه الموهبة بقوله:
ألا هل قد أتى رسول اللَّه أني ... حميت صحابتي بصدور نبلي
فما يعتد رامٍ من معدٍ ... برميٍ يا رسول اللَّه قبلي
وفي أحد: كنا قد ذكرنا في معرض حديثنا عن (طلحة بن عبيد اللَّه) أنه كان أحد بطلين ثبتا بجانب رسول اللَّه عندما حاصره المشركون، وكنت قد تركت اسم البطل الثاني معلقًا محاولة مني لتشويق القارئ الكريم كي لا يضيق ذرعًا بهذا الكتاب الطويل، واعدًا إياه بذكر اسم ذلك البطل في نهاية هذا الكتاب، وبما أن هذا الكتاب قد شارف على النهاية بالفعل، فإن الوقت قد جاء للوفاء بالوعد، فلقد كان ذلك البطل يُدعى بـ (سعد بن مالك بن أهيب) والذي عُرف بالتاريخ باسم (سعد بن أبي وقاص)! ففي الوقت الذي كان فيه طلحة يبارز بسيفه كالأسد الثائر فرسان المشركين من أحد الجوانب، تناول سعد قوسه في الجانب الآخر ليصوب ناظريه على الجنود المتقدمين وكأنه الصقر الجارح، فأخذ يرمي بسهامه كل من سولت له نفسه الاقتراب من حبيبه ورسوله، ورسول اللَّه يناوله السهام بيديه الطاهرتين وينظر إلى ضرباته ويضحك من دقة إصاباتها ويقول له: "ارمِ سعد، فداك أبي وأمي"!
وفي سنة 15 هـ الموافق 635 م، وصلت أخبار إلى المدينة أن كسرى يحضر بنفسه جيشًا عرمرمًا لكي يرسله إلى مدينة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فينهي بذلك الإسلام من الوجود، فعقد الخليفة عمر ابن الخطاب اجتماعًا طارئًا للقيادة العليا في الدولة الإسلامية يضم بين أفراده رجالًا عمالقة مثل عثمان ابن عفان وعلي بن أبي طالب، فقرر القائد البطل عمر بن الخطاب أن يتقدم بجيوش المسلمين بنفسه إلى أرض فارس قبل أن يأتي الفرس إلى مدينة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، إلا أن علي بن أبي طالب خاف على صديقه عمر من غدر