" فلما وصل كتاب ألفونسو إلى الأمير يعقوب مزّقه وكتب على ظهر قطعة منه: {ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ (37)} الجواب ما ترى لا ما تسمع! "
لم أشأ أن أنهي الحديث عن تاريخ الأندلس بدون ذكر هذا القائد الإِسلامي العظيم، فلقد أبحرنا سويًا في هذا الكتاب في تاريخ الأندلس منذ موسى بن نصير وطارق بن زياد، وحتى سقوط الأندلس وانتفاضة محمد بن أمية، مرورًا بيوسف بن تاشفين وعبد الرحمن الناصر والمتوكل بن الأفطس رحمهم اللَّه جميعًا، والحقيقة أنني تعمدت أن أفصِّل في تاريخ الأندلس بالذات، ليس من أجل البكاء على اللبن المسكوب كما قلنا، بل لأن تاريخ الأندلس بما يحمله من انتصارات وأمجاد وحتى هزائم يمثل منهاجًا واضح المعالم لشباب هذه الأمة، فلقد رأينا كيف كان المسلمون ينتصرون بأقل الأعداد وأضعف الأسلحة عندما تمسكوا بتعاليم هذا الدين، ورأينا في نفس الوقت كيف أنهم كانوا ينهزمون شر هزيمة ويدفعون الجزية للنصارى عندما دخل في قلبهم حب الدنيا وكراهية الموت، ورأينا أيضا كيف استطاع رجالٌ قليلون أن يغيروا من وضع المسلمين من حالة الهزيمة النكراء إلى حالة النصر المؤزر، وكيف استطاع رجلٌ بفرده مثل الشيخ عبد اللَّه بن ياسين أن يحول مجموعة صغيرة من رعاة الإبل على حدود السنغال إلى ملوك أعظم إمبراطورية عرفتها أفريقيا، ورأينا في نفس الوقت رجلًا مثل محمد الفقيه الذي ضيع الأندلس بحبه للدنيا، رأينا كيف كان رجال المغرب العظماء ينقذون الأندلس بين الحين والآخر، ورأينا خيانات الشيعة العبيديين (الفاطميين) الذين كانوا يمدون الصليبيين في الأندلس بالسلاح، فقصة الأندلس هي بالفعل مختصر قصة الإسلام بما فيه من انتصارات وخيانات، فلو قرأها شباب الأمة لعرفوا كيفية النهوض بحالة هذه الأمة التي تشبه إلى حد بعيد حالة المسلمين إبان عهد ملوك الطوائف،