وبطلنا الآن ظهر في المغرب قبل سنيات قليلة من سقوط الأندلس، ولكنه ظهر أيضًا في نفس العصر الذي ظهر فيه (محمد الفقيه) أحد ملوك بني الأحمر، وواللَّه إنني لا أعتبر محمد الفقيه ملكًا مجرمًا ضيع الأندلس فحسب، بل إنني أعتبره شخصًا مسكينا لأبعد الحدود، فهناك من البشر صنفٌ غريبٌ للغاية، ملأ قلبه بحب الدنيا لدرجة الجنون، فأصبح كالمعتوه الذي يجري في الشوارع يمنة ويسرى يريد أن يلحق بالدنيا، فلا هو الذي كسب شيئًا من تلك الدنيا, ولا هو الذي كسب آخرته، ولا هو الذي كسب بياض الوجه في صفحات التاريخ, ومحمد الفقيه ينتمي لهذا الصنف من البشر!
فلقد قام هذا الملك ومن قبله من ملوك بني الأحمر بأفعال مخزية، كان لا بد معها أن تسقط فيها الأندلس بهذا الشكل الدرامي، ففي ظل كل هذه الهزائم والانكسارات انشغل بنو الأحمر ببناء "قصر الحمراء" الذي يعتبر وبحق أجمل شيءٍ مكانٍ رأيته في حياتي عند زيارتي لغرناطة، فقد احتجت لخمس ساعاتٍ من المشي في هذا المبنى الضخم للمشي في طرقاته وحدائقه فقط، حينها نظرت على جدران هذا البناء فوجدت أن بني الأحمر قد نقشوا على كل حجرٍ من حجارة الجدران والسقف عبارة "لا غالب إلا اللَّه"، فابتسمت في قرارة نفسي لعلمي بتاريخ هؤلاء الملوك المساكين الذين كانوا يتحالفون مع النصارى على بعضهم البعض ولسان حالهم يقول: "لا غالب إلا ألفونسو! ". وفي ظل ذلك الانحطاط الأخلاقي الذي وصل إليه المسلمون في الأندلس، كان لا بد للنصارى أن يتوجهوا بجيوشهم لاحتلال باقي مدن الأندلس، والتي لم يبق منها إلا "إشبيلة" و"غرناطة"، فما كان من محمد الفقيه ملك غرناطة في ذلك الوقت إلا أن يتوجه بجيشه ليساعد الصليبيين في حصار شيوخ ونساء وأطفال أشبيلية، وفعلًا سقطت إشبيلية بفضل خيانة بني الأحمر، فكافأه الصليبيون بأن توجهوا إلى مدينته لينتزعوها من حكمه، فلم يستطع هذا الملك الخائن أن يحاربهم، فشعبه تعود على السهر على ألحان "زرياب" الموسيقية، وقصائد الغزل الأندلسي، فأنى لشابٍ تربى على الأغاني الماجنة أن يحمل السيف في سبيل اللَّه، وأنى لشيخٍ تعود لسانه على قول: "أيها الساقي اسقني لا تأتلِ" أن ينادي حيَّ على الجهاد؟! عند ذلك استغاث محمد الفقيه بملك المغرب، وهو البطل المجاهد (أبو يوسف يعقوب المنصور الماريني)، فانطلق هذا البطل الإِسلامي المؤمن