الصالحين أربابًا من دون اللَّه بقصدٍ أو بدون قصد، ظنًا منهم أنهم يتقربون بذلك إلى اللَّه، فصارت المرأة تدعو الأموات دون اللَّه لكي يرزقها بالذرية، وصار الرجل المهموم يذهب للميت لكي يفرج عنه الغم والكرب، بل وصل الشطط ببعض الناس لكي يطوفوا حول قبور أنبيائهم وأولياء اللَّه الصالحين، فصاروا للكفر يومئذٍ أقرب منهم للإيمان!
ولمّا كانت رسالة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- هي آخر رسالة تبعث للبشر، أصبح ضياع هذه الرسالة أو تحريفها ضياعًا للمستقبل البشري وأسباب كينونته، والحقيقة أن ذلك كاد أن يحدث فعلًا لولا أن سخّر اللَّه لبني الإنسان رجلًا اسمه عبد اللَّه بن عثمان أبي قحافة بن عامر التيمي القرشي، وهو نفسه الرجل الذي عُرِف في التاريخ باسم "أبي بكر الصديق" (لتبكيره في الدخول في الإسلام وتصديقه لحادثة الإسراء والمعراج من أول لحظة!)، فوقف هذا العملاق العظيم بعد موت حبيب روحه ورفيق دربه، ليبين للمسلمين أعظم قاعدة عرفتها البشرية بعد الأنبياء، قاعدة تكتب واللَّه بحروف من ذهب:
"من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد اللَّه فإن اللَّه حي لا يموت"
الفضل الثاني لأبي بكر يكمن في انتصاره على جيوش الروم والفرس في آن واحد!
فقد حاول رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في حياته أن يصل برسالة التوحيد إلى شعوب العالم بأسره، وفعلًا قام باستخدام الوسائل السلمية في دعوة البشر، فأرسل رسله إلى ملوك الأرض برسائلٍ تدعوهم إلى عبادة رب الناس وترك استعبادهم للناس، إلا أن أولئك الملوك رأوا في الإسلام ما يتناقض مع ظلمهم وجبروتهم على شعوبهم المستضعفة، فقاموا بقتل الرسل، وحجب رسالة الإسلام عن شعوبهم المستضعفة، فأعلنوا الحرب على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فمزق كسرى الفرس المتغطرس (خسرو الثاني) رسالة أعظم إنسان عرفته الأرض، وأوعز إلى عامله في اليمن باعتقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، أما إمبراطور الروم (أغسطس هرقل) فقد حارب الإسلام رغم إيمانه بصدق نبوة محمد -صلى اللَّه عليه وسلم- (كما سنرى لاحقًا في خضم هذا الكتاب)، لذلك قام أبو بكر الصديق جزاه اللَّه كل خير بعملٍ لم يسبقه إليه أحد في تاريخ الفاتحين، فالمعلوم أن ثمة قاعدة عسكرية ثابتة منذ قديم الزمان ما زالت تدرَّس في الكليات العسكرية الحديثة، ألا وهي "تجنب فتح أكثر من جبهة واحدة في القتال العسكري! "، فلقد انهزم (نابليون بونابرت) عندما فتح جبهة ثانية مع "روسيا القيصرية"،