سائل -يعني أبا سفيان- فإن كذبني فكذبوه! واتضح بصورة لا شك فيها أن هرقل يريد أن يعرف بجدية كل شيء عن هذا النبي، لذلك سأل أقرب الناس إليه نسبًا، ليكون على معرفة تامة به، وفي نفس الوقت جعل وراء أبي سفيان مجموعة التجار الآخرين كحكام على صدقه، وعند ذلك سيخاف أبو سفيان أن يكذب، ومن وراءه سوف يخافون أن يكذبوا، ولكن عامل الكذب هذا لم يكن واردًا في خاطر أبي سفيان على الإطلاق، فالعرب حتى في أيام الجاهلية كانت تستنكر صفة الكذب هذه، وتعتبرها نوعًا من الضعف غير المقبول، وأبو سفيان في هذه اللحظة التي لم يسلم فيها بعد، مع أنه يكره الرسول -صلى اللَّه عليه وسلم- كراهية شديدة، ومتأكد من أن أصحابه لن يكذبوه أمام القيصر مهما قال، إلا أنه لا يستطيع أن يكذب على رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، ولا يحب أن يشوه صورته بالكذب لدرجة أنه في رواية كان يقول: "ولكني كنت امرأ أتكرم على الكذب، لا أكذب". وبدأ استجواب هرقل لأبي سفيان أمام الجميع من العرب والرومان وفي حضور علية القوم من الأمراء والوزراء والعلماء من الرومان من أجل أن يتيقن من أمر هذه النبوة التي ظهرت في بلاد العرب، هل هي نبوة حقيقية أم كذب، ودار حوار عجيب بين (هرقل إمبراطور الروم) و (أبي سفيان سيد مكة) حول (محمد رسول اللَّه)، وقد بدأ هرقل بالسؤال: كيف نسبه فيكم؟ قال أبو سفيان: هو فينا ذو نسب. قال هرقل: فهل قال هذا القول من قبلكم أحد قط قبله؟ (أي هل ادعى أحد من العرب النبوة من قبله؟) قال أبو سفيان: لا لم يدع أحد في تاريخ العرب النبوة. فقال هرقل: هل كان من آبائه من ملك؟ فقال أبو سفيان: لا. قال هرقل: فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ قال أبو سفيان: بل ضعفاؤهم. قال هرقل: أيزيدون أم ينقصون؟ قال أبو سفيان: بل يزيدون. قال هرقل: فهل يرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ قال أبو سفيان: لا، لا يرتد منهم أحد. قال هرقل: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال أبو سفيان: لا. (وقد كان رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يدعى بالصادق الأمين قبل الإسلام) قال هرقل: فهل يغدر؟ قال أبو سفيان: لا. ثم قال: ونحن منه في مدة لا ندري ما هو فاعل فيها. ثم قال هرقل: فهل قاتلتموه؟ قال أبو سفيان: نعم. فقال هرقل فكيف كان قتالكم إياه؟ قال أبو سفيان: الحرب بيننا وبينه سجال. أي ينال منا وننال منه (يقصد معركتي بدر وأحد). قال هرقل: