قال: فاعترض قوم فقالوا: قد سبق في علم الله عزَّ وجلّ بنهاية أجل المرء، مدَّة صحَّته وسقمه، فأيّ معنى للعلاج؟
قال: فقلنا لهم: نسألكم هذا السؤال نفسه في جميع ما يتصرف فيه الناس من الأكل والشرب، واللباس لطرد البرد والحر، والسعي في المعاش بالحرث والغرس، والقيام على الماشية والحرفة بالتجارة والصناعة.
ونقول لهم: قد سبق علم الله تعالى بنهاية أجل المرء ومُدَّة صِحَّتِه، ومُدَّة سَقَمِه، فأيّ معنى لكل ما ذكرنا؟
فلا جواب لهم إلَّا أن يقولوا: إنَّ علم الله تعالى أيضًا قد سبق بما يكون من كل ذلك، وبأنها أسباب إلى بلوغ نهاية العمر المقدَّرة.
فنقول لهم: وهكذا الطب، فقد سبق في علم الله تعالى أنَّ هذا العليل يتداوى، وأنَّ تداويه سبب إلى بلوغ نهاية أجله، فَالْعِلَلُ مُقَدَّرَةٌ، والزَّمانَة (?) مُقَدَّرَةٌ، والموت والعلاج مقدَّر، ولا مرد لحكم الله تعالى، ونافذ علمه في كل شيء من ذلك، لا إله إلَّا هو. انتهى.
حيث علمت هذا فقد قال أئمة الطب كما نقله العلَّامة ابن القيم في الهدي: إنه يجب على كل محترز من الوباء أن يخرج عن بدنه الرطوبات الفَضْلِية، ويقلِّل الغذاء، ويميل إلى التدبير المجفّف من كل وجه إلَّا الرياضة والحمام؛ فإنهما يجب أن يحذرا؛ لأنَّ البدن لا يخلو غالبًا من فضل رديء كامن فيه، فتثيره الرياضة والحمام، ويجب عند وقوع الطاعون