عرفة المعروف من المذهب، وقد رأيت دليله من كلام المحققين الفحول، بل ومن كلام ابن عرفة نفسه؛ فلم يبق لنصف فيه ما يقول، ولجلالته وأمانته وحفظه أطلت بهذه النقول، والله سبحانه أعلم. وفي المتيطي وابن فتوح أن الإشهاد لازم للوصى في دفع مال اليتيم المنطلق من الولاية إليه، لقوله تعالى: {فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُوا}، وهل أصل في كل من دفع ما بيده من وديعة أو ما يشبهها إلى غير اليد التي دفعت ذلك إليه، وإن كان بأمر الدافع إليه فإن الإشهاد يلزم المودع عنده على الدفع إلى من أمر أن يدفع إليه، كما يلزم الوصي؛ وسواء كالق قبض الوصي المال ببينة أو بغير بينة. انتهى. وجزم اللخمي بأن المودع إذا أمر بالدفع للغير يصدق مع يمينه وهو مخالف لا جزم به ابن فتوح، وما قاله ابن فتوح هو الموافق للنقل. انتهى.

الثاني: قال في رسم الوصايا من سماع القرينين من كتاب الوصايا الأول ما نصه: قال: وسمعته يسأل عمن كان يلي يتامى فكان لا يتحفظ في أموالهم ويتناول منها فلما بلغوا سألهم أن يحللوه مما بين كذا إلى كذا فحللوه على ما قال، ثم قالوا له بعد زمان: لست في حل، فقال أنا أرى في مثل هذا أن يحزر الذي يرى أنه أصاب من أموالهم ويحتاط فيه حتى لا يشك أو يأتي رجلا فيخبره بالمال وبأمره وما كان منه فيه وما تناوله حتى يحزره له، ويحتاط فيه حتى لا يشك إن لم يحسن هو حزره ثم يخيرهم بالذي عليه من التبعات فيحللونه وهم يعلمون من أي شيء حللوه، فإما أن يجيء إليهم فيقول لهم حللوني مما بين كذا إلى كذا فيحللونه، فإنهم يقولون بعدُ ظننا أنه يسير فأرى أن يحزر ذلك باحتياط ثم يتحللهم. قال محمد بن رشد: هذا كما قال أن التحليل لا يلزمهم إذا لم يعلمهم بمقدار مالهم عليه من التباعة فيما تناوله من أموالهم فيلزمه أن يعلمهم بمقدار ذلك حتى يحللوه منه بنفوس طيبة. وبالله التوفيق. انتهى قال الرهوني. قلت: لا شك أن تحليلهم له من باب هبة المجهول وهي جائزة. وأما اللزوم فقد تقدم تحرير الكلام فيه عند قوله في الهبة: "وإن مجهولا" فإن لم تَبَيَّن لهم في هذد كثرة ما تناوله من أموالهم فلا وجه لرجوعهم عليه ولا سيما على ما رجحه البناني تبعا الابن عرفة، وفي قول الإمام فإنهم يقولون ظننا أنه يسير إشارة إلى أنه تبين له كثرته ليكون رجوعهم عليه هو الصواب على ما بيناه في المحل المذكور. والله تعالى أعلم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015