غيرهم من أنه لا يشترط انقراض العصر فلا ينخرم الإجماع المنعقد أيام خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه برجوع علي أيام خلافته، وقد روي ما يدل على أنه رجع عن رجوعه إلى ما كان انعقد عليه الإجماع فتجدد بذلك الإجماع في زمانه، وذلك قول عبيدة السلماني في حديثه: روى الشعبي عن عبيدة السلماني، قال: خطبنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقال: رأى أبو بكر رؤيا ورأى عمر رؤيا عتق أمهات الأولاد حتى مضيا لسبيلهما ثم رأى عثمان ذلك ثم رأيت أنا بيعهن في الدين، قال عبيدة: فقلت لعلي: رأيك ورأي عمر وعثمان في الجماعة أحب إلينا من رأيك بانفرادك في الفرقة فقبل مني وصدقني، وهذا من علي رضي الله تعالى عنه إجماع منه مع سائر الصحابة على المنع من بيعهن في غير الدين، ثم رجع عما انفرد به من جواز بيعهن في الدين إلى ما أجمع عليه مع الصحابة بقبوله لقول عبيدة وتصديقه.
وإلى جواز بيعهن في الدين وغيره ذهب داوود القياسي والرافضة وأهل المظاهر, واحتج من نصر مذهبهم بقوله عز وجل: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}، وبما روى عن جابر بن عبد الله أنه قال: كنا نبيع أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وصدر خلافة عمر ثم نهانا عمر عن بيعهن وهذا كله لا حجة لهم فيه، أما الآية التي احتجوا بظاهرها من القرآن فإنها عموم يتخصص بما ذكرناه من الأدلة، وأما حديث جابر فإنه ضعيف عند أهل النقل، وقد روي عنه من طريقه ما عارضه فلأهل المعلم في بيع أمهات الأولاد ثلاثة أقوال: أحدها قول مالك وكافة العلماء، والثاني قول أهل المظاهر أنها تباع في الدين وغيره ولا تعتق من رأس المال ولا من الثلث , وللشافعي مثله في مواضع من كتبه ثم قطع في أربعة عشر موضعا من كتبه أنهن لا يبعن في دين ولا غيره مثل قول مالك وجمهور العلماء، والثالث أنها لا تباع إلا في الدين وهو القول الذي رجع إليه علي رضي الله عنه على ما بيناه، وما روي عن ابن عباس وابن مسعود وابن الزبير أنها تعتق من نصيب ولدها قول رابع في المسألة. انتهى منها بلفظها.
ونقلته بطوله لما اشتمل عليه من الفوائد والتحريرات , والأقوال الأربعة التي ذكرها هي التي أشار إليها ابن غازي بقوله السابق، وقد ذكر فيها ابن رشد في المقدمات أربعة مذاهب، وما أفاده كلام المتيطي من أن تلك الأقوال لا تقدح في صحة الإجماع هو الصواب، كما أن ما حكاه أبو عبد الله