باب: ذكر فيه التدبير وهو العتق عن دبر وهو أن يعتق العبد بعد موت صاحبه فهو مدبر، والتدبير في الأمر أن ينظر ما يؤول إليه عاقبة الأمر والتدبير التفكر فيه. قال القرافي في التنبيهات: التدبير مأخوذ من إدبار الحياة، ودبر كل شيء ما وراءه بسكون الباء وضمها، والجارحة بالضم لا غير، وأنكر بعضهم الضم في غيرهما. أهـ. وفيه نظر، ففي القاموس أنَّه بالوجهين في كل من المعنيين. قاله البناني.
وأصله الكتاب والسنة والإجماع، فالكتاب قوله تعالى: {وَافْعَلُوا الْخَيْرَ}، والسنة قوله - صلى الله عليه وسلم -: (المدبر من الثلث (?))، وانعقد الإجماع على أنَّه قربة. وعرفه ابن عرفة بقوله: عقد يوجب عتق مملوك من ثلث مالكه بعد موته بعقد لازم. قوله: بعد موته، يخرج به العتق الملتزم في المرض والمبتل فيه لأنه لازم إذا لم يمت، وقوله: بعقد لازم، متعلق بيوجب أخرج به الوصية. قاله الخرشي. وقوله: من ثلث مالكه، قال الشبراخيتي: يخرج به المعتق لأجل وأم الولد. انتهى. أي لأنهما من رأس المال. وهنا أمور مشتبهة: العتق لأجل والتدبير والوصية، فالمعتق لأجل من رأس المال، والمدبر من الثلث وعقده لازم، والوصية من الثلث وعقدها غير لازم. أهـ. وعرف المؤلف التدبير بقوله: التدبير تعليق مكلف رشيد - وإن زوجة في زائد الثلث - العتق بموته "التدبير" مبتدأ، وخبره "تعليق" وهو مصدر أضيف إلى فاعله وهو "مكلف"، و"العتق" مفعول "تعليق"، و"بموته" متعلق "بتعليق"؛ يعني أن التدبير هو أن يعلق مكلف رشيد نفوذ عتق عبده على موته أي موت السيد، ويصح تعليق المكلف الرشيد العتق على موته سواء كان ذلك المكلف الرشيد زوجة وعلقت في زائد الثلث أو غيرها. وقولي: نفوذ العتق أما إنشاء العتق فهو من الآن، والتعليق جعل الشيء معلقا على الشيء أي محمولا عليه وهو هنا معنوي؛ إذ معناه حصول العتق بالموت على ما يأتي. وقوله: "مكلف" احترز به من المجنون والصبي ولو مميزا، فإن تدبيرهما لا يصح لكن الصبي المميز يكون تدبيره وصية ولا يصح على أنَّه تدبير ومثل الصبي المميز السفيه، فإن تدبيره يكون وصية. قال عبد الباقي: وشمل مكلف السكران ولو طافحا بحرام