وإذا جهل حال موقد النار فهو محمول على أنه فعل ما لا يوجب ضمانه، ففي آخر نوازل الإجارة من المعيار: وسئلت عمن دخل مجبحة له ولغيره لقطع العسل، فلما أخذ في القطع سمع زفير النار ورآه وعلم أنها سقطت من ناره التي دخل بها المجبحة، ثم لم يتهيأ له الأخذ في إطفائها حتى أكلت المجبحة وما حولها من الدور، فهل ترون الضمان عليه كشرارة الحداد أو يعذر بالغلبة عليه لكونها غالبة عليه ولأن المجبحة لا تدخل إلا بها؟ فأجبت بما نصه: الحمد للَّه تعالى وحده، الجواب -واللَّه سبحانه ولي التوفيق بفضله- أن متوسط المجبحة وموقد النار إليها لقطع ما يتعين له في أجباحه من العسل إن كان دخوله إليها في وقت هدء الريح وسكونه وتناول النار على الوجه المعتاد فلا ضمان عليه، وإن دخل المجبحة وقت هبوب الريح أو تناول النار على غير المعتاد من تناولها فضمان ما احترق مع هذا الوجه لازم لماله وذمته لتفريطه وتغريره والظالم أحق بالحمل عليه، وإن جهلت حالتاه من تفريط أو فعل المعتاد المألوف عند جيرانه في المجبحة فلا ضمان عليه لما أصابت النار من المجبحة والدور؛ لأنه فعل ما العادة أن يفعل النحالون والناس مثله، وقصارى أمره أن يستظهر عليه باليمين باللَّه في قطع الحق أنه ما فرط ولا تعدى المعتاد في تناول النار كيفية وزمانا، ثم لا ضمان عليه إذ الأصل عدم العداء وبراءة الذمة فلا تعمر بالشك والاحتمال. نعم إن قامت بينة مرضية العدالة مقبولة الشهادة عليه في هذا الوجه بالتفريط والعداء وعجز عن الدفع فيها فالضمان بلا إشكال. واللَّه سبحانه أعلم وبه التوفيق.
وفي مسائل الجنايات من الدرر المكنونة: وسئل إمام المغرب سيدي سعيد العقباني عن رجل رمى نارا في موضع قصد به حريق ما فيه من العشب لينتفع به بالحرث فيما يأتي وزروعات الناس على وجه الأرض، فجرت النار نحو الميلين أو أقل فأحرقت زرعا لأقوام، فهل عليه غرمه أم لا؟ فأجاب: الحمد للَّه، ليقف على الموضع الذي رميت فيه النار وعلى الموضع الذي أكلت فيه الزرع وينظرون، فإن ظهر لهم بأن لمرسل النار في ذلك الموضع تغريرا بذلك الزرع لقرب الموضع أو ريح كانت في ذلك الوقت يخاف أن تحمل النار لذلك الزرع فهو ضامن، وإلا فلا ضمان عليه والقول قوله في بعد المكان، وفي عدم الريح حتى يشهد الناس بخلاف ذلك. واللَّه تعالى أعلم. انتهى. وفي