باب: ذكر فيه الشرب وأشياء توجب الضمان ودفع الصائل وغير ذلك، قال النخعي: كانت الخمر أول الإسلام حلالا كما دل عليه قوله تعالى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا}، ثم حرمت في وقت دون وقت آخر كما يدل له قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}، ثم حرمت في كل وقت، لقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}. انتهى. نقله الشبراخيتي. وقال البناني: قال المازري في العلم ونحوه لعياض: أجمع المسلمون على وجوب الحد في الخمر. انتهى. ابن عرفة: الشرب الموجب للحد: شرب مسلم مكلف ما يسكر كثيره مختارا لا لضرورة ولا عذر، فلا حد على مكره ولا ذي غصة وإن حرمت ولا غالط. انتهى. وقوله: وإن حرمت، فيه خلاف يأتي إن شاء اللَّه تعالى. وقال الرهوني: ابن عرفة: روى النسائي بسنده عن سعيد عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، قال: (أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره) (?). رواه الشيخ تقي الدين. ولم يتعقبه، وقال ورد: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) (?) من حديث جماعة منهم جابر وعائشة وأخرجهما أبو داوودت وفي الأول داوود بن بكر بن الفرات، وقال أبو حاتم: ليس بالبين؛ وأخرج الثاني ابن حبان في صحيحه من حديث أبي عثمان، وزعم ابن القطان أنه لا يعرف حاله. انتهى. قلت في الجامع الصغير: (كل مسكر حرام وما أسكر منه الفرق فملء الكف مه حرام) (?). أبو داوود والترمذي عن عائشة بإسناد صحيح. انتهى.
بشرب المسلم المكلف ما يسكر جنسه قوله: "بشرب" خبر مقدم، والمبتدأ: "ثمانون" الآتية. قاله الشبراخيتي. وقال الخرشي: قوله: "بشرب" متعلق بمحذوف تقديره: يجب "وثمانون" فاعله، أو مبتدأ وخبره: "بشرب" يعني أن الحر المسلم الكلف إذا شرب ما يسكر جنسه وإن لم يسكر الشارب بالفعل يجب أن يجلد ثمانين جلدة؛ والشرب مختص بالمائعات. واحترز بذلك من اليابسات التي تؤثر في العقل فليس فيها إلا الأدب، كما أنه لا يحرم منها إلا القدر الذي يؤثر في