لإفادة الخلاف وإن لم يتحد المختلف فيه؛ إذ هو في الأول في قبول توبة المسلم وعدمها وهنا في قتل القائل وتنكيله، والمعنى أنه اختلف فيمن قال هذا القول، هل يقتل وهو الراجح لأنه نسب الباري إلى الجور، وهل يستتاب أولا؟ قولان كما مر أو لا يقتل بل يؤدب ويشدد عليه في التعزير لأن قصده الشكوى. انتهى.
وقال الشبراخيتي: "كمن قال لقيت في مرضي ما لو قتلت أبا بكر وعمر لم أستوجبه" تشبيه في مطلق الخلاف أي هل يقتل القائل أو ينكل، وعلى القول بقتله يجري الخلاف في قبول توبته وعدمها، ثم إن القولين للمتأخرين فكان المناسب لاصطلاحه أن يعبر بالتردد. نبه عليه التتائي. انتهى. وقال المواق: عياض: اختلف أهل قرطبة في مسألة هارون أخي ابن حبيب وكان ضيق الصدر كثير التبرم، قال عند استقلاله من مرض: لقيت في مرضي هذا ما لو قتلت أبا بكر وعمر لم أستوجب هذا كله، فأفتى ابن حبيب بموافقة القاضي بتنكيله وتثقيل أدبه، وأفتى الغير بقتله. انتهى.
وفي الشفا: لو تكلم من لا يضبط كلامه وأهمل لسانه بسخف من القول مما فيه استخفاف بعظمة ربه أو يمثل شيئا ببعض ما عظم اللَّه من ملكوته، أو تكلم بما لا يليق في حق خالقه غير قاصد لكفر ولا عامد لإلحاد، فإن تكرر هذا منه وعرف به دل على تلاعبه بدينه واستخفافه بحرمة ربه وجهله بعظمته وهذا كفر لا مرية فيه، وقد أفتى ابن حبيب بقتل رجل خرج يوما فأخذه المطر، فقال: بدأ الخراز يرش جلوده وتوقف غيره في قتله ورآه عبثا من القول يكفي فيه الأدب، فقال ابن حبيب: دمه في عنقي؛ أيشتم ربا عبدناه ثم لا ننتصر له إنا إذا لعبيد سوء؟ وبكى فبلغ ذلك الأمير فأمر بقتل الرجل وصلبه. قال عياض: وأما من صدرت منه الهفوة الواحدة ولم تكن تنقصا أو إزراء فيعاقب بقدر مقتضاها وحال قائلها وشرح سبيلها، وقد سئل ابن القاسم عن رجل نادى رجلا باسمه فأجابه: لبيك اللَّهم لبيك؟ قال: إن كان جاهلا أو قاله على وجه سفه فلا شيء عليه. عياض: وشرح قوله أنه لا قتل عليه والجاهل يزجر ويعلم والسفيه يؤدب، ولو قالها على اعتقاد إنزاله منزلة ربه، كفر. انتهى.