بعينه أن القول المحتمل لا يوجب القتل، فإذا انضم إلى ذلك مراعاة الخلاف بين الأئمة في قبول التوبة من الساب ازداد ذلك وضوحا.
وقد كتب العلامة الحافظ الثقة أبو العباس الملوي على قول المصنف هنا "قتل ولم يستتب" ما نصه: إذا أردت تحرير هذا الفرع فعليك بأواخر تأليف الإمام ابن حجر الهيثمي المسمى بالإعلام بقواطع الإسلام، فقد نقل حجج المالكية في عدم قبول توبة الساب واعترضها كلها وزيفها ورجح مذهب الشافعية بقبول توبته، قائلا: وما نسبه صاحب الشفا للشافعية مما يخالف ذلك غلط وإنما هي قولة مرجوحة فيمن سبه بصيغة القذف. انتهى. وفيه دليل على أنه ارتضى كلام ابن حجر هذا. واللَّه أعلم. انتهى.
الثالث: قال الرهوني: انظر هل يجب على من سمع أحدا يتلفظ بما يوجب ردة أو سبا من العدول رفع ذلك للقاضي؟ لم أر من تعرض لذلك والجاري على أصول المذهب وقواعده أنه إذا رأى منه ما يدل على توبته من ذلك أنه لا يجب في الردة قطعا وإنما يتردد النظر في السب، وأما إذا لم يظهر منه ما يدل على التوبة فلا يتوقف في وجوب الرفع، فإن تأخر رفعه لغير عذر بطلت شهادته ولا يجري في ذلك ما ذكره البرزلي في نوازله، وذكره الشيخ حلولو في اختصارها، فإنه قال: أفتى سيدي عيسى في رجل سب شريفا بلفظ شنيع أن تأخر شهادة الشهود غير قادح في شهادتهم؛ لأنه أمر انقضى فلا ينزل منزلة المستدام من الأمر، قال: وهو نص ابن عتاب في هذه المسألة. انتهى. ووجه عدم جريانه في ذلك ظاهر. فتأمله. انتهى. ويأتي آخر الباب إن شاء اللَّه جلب النص فيما توقف فيه. واللَّه تعالى أعلم.
الرابع: قال الإمام الحطاب: قال القرطبي: لا خلاف في وجوب احترام الصحابة وتحريم سبهم، ولا يختلف في أن من قال كانوا على كفر أو ضلال كافر يقتل لأنه أنكر معلوما من الشرع فقد كذب اللَّه ورسوله، وكذا الحكم فيمن كفر أحد الخلفاء الأربعة، وهل حكمه حكم المرتد فيستتاب أو الزنديق فلا يستتاب ويقتل على كل حال؟ هذا مما يختلف فيه، فأما من سبهم بغير ذلك فإن كان سبا يوجب حدا كالقذف حُدَّ حَدَّه ثم ينكل التنكيل الشديد من الحبس والتخليد فيه، ما خلا عائشة فإن قاذفها يقتل لأنه مكذب لما في الكتاب والسنة من براءتها. قاله مالك وغيره.