وهذا إذا كانت الجناية على إحداهما، فإن كانت عليهما فإنه ينسب لبصر وسط، وهذا كله مستفاد من قوله: "كذلك" وما ذكرنا من أنه ينسب لبصر وسط محله إذا لم يعلم حاله قبل الجناية عليه وإلا نسب لا علم. وقوله: "كذلك" مفعول مطلق أي تجريبا مثل ذلك أي مثل تجريب السمع. انتهى. ولقد أحسن المصنف في نسبة السد للأذن والإغلاق للعين لأن العين لا تسد بل تغلق. وقال المواق من المدونة: إذا أصيبت العين فنقص بصرها أغلقت الصحيحة ثم جعل له بيضة أو شيء في مكان يختبر به منها بصر السقيمة، فإذا رآها حولت إلى موضع فإن تساوت الأماكن أو تقاربت قيست الصحيحة ثم أعطي بقدر ما نقصت المصابة من الصحيحة، والسمع مثله يختبر بالأمكنة أيضا حتى يعرف صدقه من كذبه، وإن ادعى المضروب أن جميع بصره أو سمعه ذهب صدق مع يمينه والظالم أحق بالحمل عليه، ويختبر إن قدر على ذلك.

والشم برائحة حادة قد مر أن في الشم الدية، ومشى كلامه أن من فعل بشخص فعلا ادعى عليه أنه أذهب به جميع شمه يجرب أي يختبر برائحة حادة أي منفرة للطبع لعدم الصبر عليها عادة لا سيما مع الطول بقدر ما يختبر فيه، ويعلم ذلك بعطاس أو غيره، وإذا علم منه النفرة أو القرينة الدالة على كذبه أو صدقه عمل على ذلك. انتهى. وعلم مما مر أن محل المصنف حيث ادعى ذهاب جميع الشم، وأما إن ادعى ذهاب بعضه فإنه يصدق بيمين، كمدعي ذهاب بعض الذوق. قاله الشبراخيتي. وقال عبد الباقي: وجرب الشم المدعي ذهاب جميعه برائحة حادة أي منفرة للطبع لأنه لا يقدر على ذلك غالبا غيرُه حتى ينفر منها بعطاس ونحوه، خصوصا إن استديم ذلك مقدار ما يختبر فيه، فإن ادعى ذهاب بعضه نسب لشم وسط بعد حلفه لعسر الامتحان. قاله ابن غازي. وتبعه أحمد. فإذا قال: أشم لعشرة أذرع فقط صدق بيمين من غير اختبار بمشموم حاد الرائحة، ونسب لشم وسط لعسر الامتحان كما قال؛ إذ لا يعقل سد الجزء الباقي منه حتى يختبر ما ذهب من أماكن.

والنطق بالكلام اجتهادا يعني أنه إذا جنى عليه جناية أذهب بها بعض نطقه فإنه يجرب ذلك أي يختبر بأن يكلم المجني عليه، ويرجع في نقصه لقول أهل المعرفة الناشئ عن اجتهادهم، ولا ينظر في النقص إلى عدد الحروف، فإن قال أهل المعرفة: يقع في نفوسنا أنه ذهب من كلامه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015