صرفوهما فلم يفعلوا حتى تلفتا، أو إحدهما أو ما فيهما من آدمي أو غيره فيضمنون المال في مالهم والدية على عواقلهم، وكذا الحكم إن قدروا على صرف السفينتين عن الاصطدام فلم يصرفوهما خوف ظلمة فإنهم يضمنون المال في مالهم والدية على عواقلهم، فقوله: "أو ظلمة" عطف على "غرق"، وأما لو اصطدموا لكونهم لم يروهم لظلمة فهدر هذا هو المتعين، وأما قول البناني: قال ابن يونس: قال مالك في السفينتين تصطدمان فتغرق إحداهما بما فيها: فلا شيء في ذلك على أحد لأن الريح تغلبهم إلا أن يعلم أن النواتية لو أرادوا صرفها قدروا على حبسها إلا أن في ذلك هلاكهم وغرقهم فلم يفعلوا فلتضمن عواقلهم دياتهم ويضمنوا هم الأموال في أموالهم، وليس لهم أن يطلبوا نجاتهم بغرق غيرهم، وكذلك لو لم يروهم في ظلمة الليل وهم لو رأوهم لقدروا على صرفها فهم ضامنون (?) لما في السفينة ودية من مات على عواقلهم، ولكن لو غلبتهم الريح أو غفلوا لم يكن عليهم شيء. انتهى. فقد رده الرهوني. فعلم أن قوله: "أو ظلمة" معطوف على "غرق"، وأما عطفه على خوف فإنه يقتضي أنهم إذا اصطدموا لأجل ظلمة بسبب أنهم لم يروهم فلأنهم يضمنون وليس كذلك. بل المنقول عن ابن القاسم أنهم لا يضمنون إذا اصطدموا في ظلمة لكونهم لم يروهم، وإذا لم يضمنوا مع الغفلة فأحرى أن لا يضمنوا مع الظلمة.
وقولي: إن قوله "أو ظلمة" عطف على قوله "غرق" أي لخوف الوقوع في ظلمة كالبحر، فإن ما كان منه جنوبيا كان مظلما وما كان منه شماليا كان مشرقا، كما إذا خاف الوقوع في الجنوب لظلمة. وإلا يكن اصطدام المصطدمين من سفينتين أو غيرهما أو تجاذب المتجاذبين مقصودا، بل كان خطأ من الجانبين وحصل منه الموت فدية كل من الآدميين على عاقلة الآخر؛ لأنه عن جناية خطأ وفرسه قيمتها في مال المصادم الآخر ولا خصوصية لفرسه بل ما تلف بسبب التصادم حكمه حكم الفرس. قاله الشبراخيتي، وهو كالصريح في أن السفينة إذا تلفت يضمنها أهل السفينة الأخرى. والله تعالى أعلم.