ولما أنهى الكلام على القضاء والشهادات أتبعه بالكلام على الدماء فقال:
باب: ذكر فيه أحكام الدماء وما يتعلق بها، وإنما أتى به المؤلف إثر الأقضية والشهادات إشارة إلى أنه ينبغي للقاضي أن ينظر فيه أولا لأنه آكد الضروريات التي تجب مراعاتها في جميع الملل بعد حفظ الدين وهو حفظ النفوس، ففي الصحيح: (أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء) (?)، ولهذا ينبغي الاهتمام بشأنها وكذا في الدنيا، وهذا الحديث لا يعارضه حديث: (أول ما ينظر فيه من أعمال العباد الصلاة) (?)؛ لأن هذا في خاصة أعمال العبد بنفسه يعني فيما بينه وبين الله وذلك فيما بينه وبين المخلوق، لكن انظر أيهما يقدم والظاهر أنه القضاء في الدماء؟ قاله الخرشي. وقال البناني: ابن حجر: أخرج الترمذي من حديث عبد الله بن عمر: (زوال الدنيا كلها أهون عند الله من قتل رجل مسلم) (?)، وقال: حديث حسن وأخرجه النسائي بلفظ: (لقتل المؤمن أعظم عند الله من زوال الدنيا) (?). انتهى.
وفي المواق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من شارك في دم امرئ مسلم بشطر كلمة جاء يوم القيامة وبين عينيه مكتوب آيس من رحمة الله) (?). انتهى. قلت: هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد عن أبي هريرة بلفظ: (من أعان على قتل مؤمن ولو بشطر كلمة لقي الله مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله). قال المناوي: هذا كناية عن كونه كافرا إذ لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون، وقيل بعمومه وأن المراد يستمر على هذا الحال حتى يطهر من ذنبه بنار الجحيم، فإذا طهر بها زال يأسه (?)، وهذا الحديث قال ابن حجر والمناوي: ضعيف جدا، وبالغ ابن الجوزي فحكم بوضعه، وتبع فيه أبا حاتم لأنه قال في العلل: باطل موضوع، وقال الذهبي في الميزان: قال الإمام أحمد: هذا الحديث ليس بصحيح. انتهى.