فرجع آخر، فعلى الراجع الأول - وهو الذي سماه المص "سادسا" سدس دية العين، وسماه ثانيا أولا في قوله: "كالأول"، وإنما سماه سادسا تنبيها على علة لزومه سدس الدية؛ لأن هذه عين تسبب في إتلافها ستة، فعلى كل واحد سدس ديتها، وسماه أولا لأنه أول من رجع وعلى الراجع الثاني، وهو الذي عبر عنه أولا بخامس، وثانيا بالثاني خمس دية الموضحة لأنه جرح بسبب خمسة وهم الباقون بعد رجوع الأول، فعليه خمس ديته ولذا سماه خامسا، وعليه أيضا مع هذا الخمس سدس دية العين؛ لأنه بسبب الستة أصيب، وهذا معنى قوله: "مع سدس العين كالأول" أي الوجه الذي لزم به الأول سدس العين، وهو كونه أحد ستة. فقوله: "كالأول" إشارة إلى الحكم والعلة وعلى الراجع الثالث وهو الذي سماه أولا رابعا ربع دية النفس فقط؛ لأنه أحد أربعة تسببوا في هلاك نفس، ولا شيء عليه في دية العين ولا من دية الموضحة لاندراجهما في دية النفس وهذا هو المشهور، وقيل عليه ذلك مع السدس والخمس كصاحبيه. اهـ.
وقال الشبراخيتي: وهذا الفرع الذي مشى عليه المص لابن المواز وهو ضعيف وهو مخالف لقول المص: "لا رجوعهم" من أن الحكم لا ينقض قبل الاستيفاء وهو المشهور؛ لأن الأعضاء تندرج في النفس، فإن لم يرجع الثالث فلا غرم على الأول والثاني باتفاق منهما؛ لأن النصاب تام بدونهما. اهـ. وقال البناني: هذا الاعتراض أصله لابن عبد السلام، ونقله ابن عرفة وأجاب عنه بأن قال: القول بإمضاء الحكم بشهادة من رجع بعده وقبل تنفيذه إنما ثبت حيث لا مستند للحكم إلا شهادة الراجعين، ولا يلزم منه إسناده إليه حيث صح إسناده لمقيم على شهادته كهذه المسألة. انتهى.
ومكن مدع رجوعا من بينة يعني أن المشهود عليه إذا ادعى أن من شهد عليه قد رجع عن شهادته وطلب إقامة البينة على ذلك، فإنه يجاب إلى ذلك ويمكن منه، فقوله: "من بينة" متعلق بمكن أي يمكن من إقامة بينة على دعواه رجوع الشاهدين عما شهدا به عليه، وسواء أتى بلطخ أي شبهة أو لا. قاله الخرشي. وقال عبد الباقي: ومكن غارم مدع رجوعا من الشاهدين عليه عن شهادتهما، من إقامة بينة عليهما أنهما رجعا فيغرمان له ما غرمه، وظاهره تمكينه من إقامتهما، ولو عجزه القاضي عن إقامتها حيث نسيها وقت غرمه بشهادة الشاهدين أو أقر على نفسه