باب: في القراض، ابن رشد: القراض مأخوذ من القرض وهو ما يجازى عليه الرجل من خير أو شر؛ لأن المقترضين قصد كل واحد منهما إلى منفعة الآخر فهو مقارضة من الجانبين، وقيل من القرض وهو القطع لأنك قطعت له من مالك قطعة وهو قطع لك جزءا من الربح الحاصل بسعيه، وأهل العراق يسمونه مضاربة أخذا من قوله تعالى: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ}. قاله غير واحد. وقال الشارح: المقارض بالكسر رب المال والمقارض بالفتح العامل والمضارب بالكسر العامل لأنه الذي يضرب بالمال وبالفتح رب المال، والأصل في مشروعيته قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} لأنه بيع منافع ومن عمل الصحابة رضوان الله عليهم.
ففي الموطأ أن عبد الله وعبيد الله ابنا عمر رضي الله عنه خرجا في جيش إلى العراق. فلما قفلا مرا على أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وهو أمير البصرة فرحب بهما وسَهَّل ثم قال: لو أقدر لكما على أمر أنفعكما به فعلت؟ ثم قال: بلى ها هنا مال من مال الله أريد أن أبعث به إلى أمير المؤمنين فأسلفكما فتبتاعان به متاعا من متاع العراق ثم تبيعانه بالمدينة فتؤديان رأس المال إلى أمير المؤمنين ويكون لكما الربح، فقالا: وددنا ففعل وكتب إلى عمر أن يأخذ منهما المال، فلما قدما باعا فربحا فلما دفع ذلك إلى عمر قال: أكل الجيش أسلفه مثل ما أسلفكما؟ قالا: لا، قال عمر: ابنا أمير المؤمنين فأسلفكما أديا المال وربحه، فأما عبد الله فسكت وأما عبيد الله فقال ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين هذا لو نقص المال أو هلك لضمناه، فقال عمر: أدياه فسكت عبد الله وراجعه عبيد الله، فقال رجل من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضا، فقال عمر: قد جعلته قراضا فأخذ رأس المال ونصف ربحه وأخذ ابناه نصف الربح، ويقال إن الرجل الذي كان جالسا عند عمر عبد الرحمن بن عوف. انتهى.
وقال الرهوني: ابن يونس: قال الليث: كان القراض في الجاهلية فأقر وصار سنة في الإسلام وعمل به ضمر وعثمان وصدر الأمة، واتبع فيه خلف الأمة سلفها وهو كالذي سنَّ النبي صلى الله عليه وسلم في المساقاة سواءً، وذلك مسترج بالرخصة من الإجارة المجهولة كاستخراج بيع العرية والشركة والتولية في الطعام والعمل به جائز على ما جرى من سنته ما لم يغير لفساد عقد