المباشرة كالإيمان باللَّه وما تحرم فيه المباشرة كالكفر فلا تصح النيابة فيه، ويكفر الموكل بمجرد قوله وكلتك في أن تكفر عني لرضاه بالكفر، ويوافقه قوله الآتي: "وإن قال أقر عني بألف فإقرار" كالوكيل إن نطق به. انتهى كلام عبد الباقي بحذف شيء منه وجعل شيء بدله، وهو قولي: وما تحرم فيه المباشرة كالكفر.

ويأتي للبناني ما في قول عبد الباقي فإنه لا يلزم الموكل تعليق الوكيل لخ. الرهوني: ظاهر قوله: إن نطق به أن الوكيل لا يكفر إلا بالنطق ولو قبل الوكالة أولا ورضي بها مع أن الوكالة التي علل بها كفر (?) الموكل وإن لم ينطق موجودة في الوكيل. فتأمله. انتهى.

البناني: اعلم أن الأفعال ثلاثة أقسام: ما لا تحصل مصلحته إلا بالمباشرة قطعا لكونه لا يشتمل على مصلحة بالنظر لذاته بل بالنظر لفاعله، وما تحصل بدونها يعني المباشرة قطعا لاشتماله عليها باعتبار ذاته مع قطع النظر عن فاعله، وما هو متردد بينهما فاختلف فيه العلماء بأيهما يلحق. فمثال الأول اليمين والإيمان والصلاة والصيام والنكاح بمعنى الوطء ونحوها فإن مصلحة اليمين الدلالة على صدق المدعي وذلك غير حاصل بحلف غيره، ولذلك قيل: ليس في السنة أن يحلف أحد ويستحق غيره، ومصلحة الإيمان الإجلال والتعظيم وإظهار العبودية للَّه، وإنما تحصل من جهة الفاعل، وكذا الصيام والصلاة، ومصلحة النكاح بمعنى الوطء الإعفاف وتحصيل ولد ينسب إليه وذلك لا يحصل بفعل غيره، بخلاف النكاح بمعنى العقد فإن مصلحته تحقيق سبب الإباحة وهو يتحقق بفعل الوكيل كتحققه بفعل الموكل.

ومثال الثاني: رد العواري والودائع والغصوبات لأهلها وقضاء الديون وتفريق الزكاة ونحوها، فإن مصلحة هذه الأشياء إيصال الحقوق لأهلها وذلك يحصل بفعل المكلف بها وغيره، فيبرأ المأمور بها بفعل الغير وإن لم يشعر.

ومثال الثالث: الحج، فمن رأى من العلماء كمالك ومن وافقه أن مصلحته تأديب النفس وتهذيبها وتعظيم شعائر اللَّه تعالى في تلك البقاع وإظهار الانقياد إليه، وأن المال فيه عارض بدليل المكي فإنه يحج بلا مال ألحقه بالقسم الأول؛ لأن هذه المصالح لا تحصل بفعل الغير عنه، ومن رأى كالشافعي ما فيه من القربة المالية التي لا ينفك عنها غالبا ألحقه بالثاني. انتهى باختصار من كلام الشيخ المسناوي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015