ويمكن حمله على المأذون لكن في فرض خاص وهو أن يتجر في مال نفسه على أن الربح للسيد؛ إذ يقال فيه حينئذ تجر لسيده.
وقوله: "قولان" أجراهما اللخمي على خطابهم بفروع الشريعة وعدم خطابهم. قاله الشارح. وقال المواق: اللخمي: لا ينبغي للسيد أن يأذن لعبده في التجر إن كان يعمل بالربا أو خائنا في معاملته، فإن ربح في عمله بالربا تصدق بالفضل، وإن كان العبد نصرانيا وتجر مع أهل دينه بالخمر أو بالربا فعلى القولين هل هم مخاطبون؟ وقد ورث ابن عمر عبدا له كان يبيع الخمر ويبتاعها، قيل مراده بعبده هنا مكاتبه إذ لا تحجير عليه، وقيل هو في مأذون له يتجر بمال نفسه وقيل في قوته وقيل فيما تركه له سيده توسعة له. أشهب عن مالك: ولا يشترى من غير المأذون وإن قل مثل الخف وشبهه، ولا يقبل قوله إن أهله أذنوا له حتى يسألهم ولعله في عبد ليس من عادته البيع والشراء، وأما عندنا بمصر فهو يبيع ويشتري لاسيما الشيء القليل فينبغي أن يقبل قوله، كما قبلوه في الهدية والاستيذان إذا أخبر أن سيده أهدى كذا أو أذن في الدخول عليه ونحوه. وذكر القرافي أنه يجوز تقليد الصبي والأنثى والكافر في ذلك، وهو مستثنى من الشهادة لا يحف به من القرائن للضرورة. قاله الشارح.
ولما أنهى الكلام على المحاجير الأربعة ذكر المحجور الخامس وأعقبه للرقيق لمناسبته له، إذ كل منهما يحجر عليه لغيره، فقال: وعلى مريض حكم الطب بكثرة الموت به يعني أنه يحجر على المريض ومن تنزل منزلته كما يأتي بشرطأن يكون الطب قد حكم بكثرة الموت بسببه، وقوله: "الطب" أي أهل الطب، والمراد أن لا يتعجب من صدور الموت عنه وإن لم يغلب صدوره عنه خلافا للمازري. كسال مثال للمرض الذي حكم الطب بكثرة الموت بسببه، يعني أن السل بكسر السين من الأمراض التي يحجر على صاحبها، قال عبد الباقي: مرض ينحل به البدن فكأن الروح تنسل معه قليلا قليلا كما تنسل العَافِيَةُ، يقال: سل بالضم وأسله اللَّه فهو مسلول.
قال مقيد كذا الشرح عفا اللَّه عنه: قوله فكأن الروح تنسل معه هو بتشديد اللام أي تذهب معه، وقوله: كما تنسل العافية الظاهر أن المراد بالعافية هنا الشعر الطويل؛ لأنه يقال: عفا شعر البعير إذا طال. واللَّه تعالى أعلم.