رشده من غير أن يخرجه الأب، وجعلوا حجر الوصي لا يخرج منه محجوره إلا بإخراج الوصي، ويأتي الجواب عن هذا الاستشكال في شرح قوله: "وفك وصي أو مقدم" إن شاء اللَّه تعالى.
وقوله: "إلى حفظ مال ذي الأب بعده" قال الحطاب: هذا حد الرشد الذي لا يحجر على صاحبه باتفاق، واختلف في الرشد الذي يخرج به من الحجر هل هو كذلك أو يزاد فيه اشتراط حسن التنمية؟ ذكر المازري في ذلك قولين. انتهى. وذكرهما اللخمي فيه أيضًا ونصه على ما قال الرهوني: واختلف في الرشد المراد بالقرآن، فقال في المدونة: هو الذي يحرز ماله. وقال محمد: الرشد هو الصلاح في دينه وماله، وقال أيضًا: الذي يصلح ماله ويثمره ويحجره عن معاصي اللَّه تعالى. وقال أشهب: لا ينظر إلى سفهه في دينه إذا كان ممسكا لماله ولا يخدع فيه كما يخدع الصبي، ولا يخاف عليه في تدبيره ولا يبذره. قال الشيخ: إن اجتمع أن يكون يحرز ماله وينميه فذاك: وإن كان يحرزه ولا يحسن التجر والتنمية فلا يمسك عنه لأن وليه لا يفعل فيه غير ذلك يمسكه وينفق عليه فهو أولى بفعل ذلك. انتهى.
قال مقيد هذا الشرح عفا اللَّه تعالى عنه: قد علمت مما مر أن الرشد رشدانِ: رُشْدٌ لا يضرب معه الحجر وهذا متفق على أنه لا يشترط فيه إلا حفظ المال لا حسن التنمية، فمن يحسن الإمساك بأن يحفظ ماله ولا يحسن التجر فيه لا يضرب عليه الحجر اتفاقا. وَرُشْدٌ يخرج به من الحجر وهذا فيه قولان، أَحَدُهُما وهو الراجح أنه كالأول لا يشترط فيه إلا حفظ المال ولا يشترط فيه حسن التنمية، فلو كان لا يحسن التجر في ماله مع أنه يحسن الإمساك لخرج من الحجر. القَولُ الثَّانِي: أنه لا يخرج من الحجر إلا بحفظ المال وحسن التنمية، وعلى هذا فمن حفظ ماله ولكنه لا يحسن التجر فيه لا يحجر ضليه، إما اتفاقا إذا لم يكن محجورا عليه وإما على الراجح إذا كان محجورا عليه، وهذا الراجح هو الذي مر عليه المص؛ إذ ظاهره أن من يحفظ المال ولا يحسن التجر لا يحجر عليه، بل يخرج من الحجر إذا كان محجورا عليه ولا يضرب عليه الحجر إن لم يكن محجورا عليه وهذا الذي هو ظاهر المص نسبه اللخمي للمدونة.