الرابع: التفليس لا يتوقف على ثبوت العسر كما هو المستفاد من قول المدونة: ويبيع الإمام ما ظهر من ماله فيتوزعه غرماؤه ويحبس فيما بقي إن تبين لدده أو اتهم. انتهى. خلاف ما يفيده كلام ابن عبد السلام من توقف التفليس على ثبوت العدم. انظر البناني. وعلم من المص أنه متى ثبت عسره أخرج من الحبس، قال ابن رشد: حبس الغريم إنما يكون ما لم يثبت عدمه ويظهر فقره. انتهى.
إن جهل حاله يعني أن المفلس إنما يحبس إن جهل حاله هل ملي أو معدم فيحبس لأن الناس محمولون على الملاء، وهذا مما قدم فيه الغالب وهو التكسب على الأصل وهو الفقر؛ لأن الإنسان يولد فقيرا لا ملك له غالبا، ومفهوم الشرط عدم حبسه إن علم عسره. قاله عبد الباقي. وقال الخرشي عند قوله "وحبس لثبوت عسره إن جهل حاله" ما نصه: ذكرا كان أو أنثى، حرا أو مأذونا له في التجارة هذا إن جهل حاله، أما من علم ملاؤه فيؤمر بدفع الحق الآن طاع أو كره، ومعلوم العدم يجب إنظاره فلو ثبت عسره ولو قبل حبسه لم يحبس، والدليل على جواز حبس المفلس قوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا}، فإذا جازت ملازمته ومنعه من التصرف جاز حبسه ولا خلاف في ذلك. هكذا نقل شيخ الإسلام بهرام الدميري.
وقوله: "وحبس لثبوت عسره" الخ علم مما مر أن كلام المص في المفلس، وأن المديان غير المفلس يحبس كما أفاده ابن رشد، فإنه قال: حبس المديان على ثلاثة أوجه تَارَةً يحبس للتلوم لاختبار حاله فيمن جهل حاله، وَتَارَةً لاتهام الغريم أن يكون أخفى مالا وغيَّبه، وتَارَةً لكونه أخذ أموال الناس وقعد عليها، والاختيار في المجهول بقدر ما يتبين أمره ويكشف عن حاله، وذلك مختلف باختلاف الدين قلة وكثرة وتوسطا، فيقل في القليل ويكثر في الكثير ويتوسط في المتوسط ووجه ذلك أنه يسجن على وجه اختبار حاله، فوجب أن يكون على قدر الحق الذي يسجن من أجله. اهـ. نقله الشارح.
وقول المص: إن جهل حاله هو المعروف من المذهب كما قاله اللخمي، قال الشارح: واختلف في المجهول هل يحمل حاله على الملاء من غير نظر إلى السبب الموجب للدين وهو المعروف من