فوجدها فله أخذها، وأما إن عرف فيها ملاؤه فلا يفلس ويقضى من حل دينه ويبقى المؤجل ولا يأخذ البائع سلعته. انتهى.
إن لم يعلم ملاؤه شرط في تفليس الغائب يعني أن الغائب إنما يفلس حيث لم يعلم ملاؤه حين خروجه، وأما إن علم ملاؤه حين خروجه فإنه لا يفلس، وفي المص ثلاث صور اثنتان في المنطوق وواحدة في المفهوم: جُهِلَ ملاؤه، عُرِفَ عدم ملائه فلس فيهما اتفاقا، عُلِمَ ملاؤه لم يفلس على المشهور، وهو قول ابن القاسم خلافا لأشهب القائل: يفلس وإن علم ملاؤه، وقد علمت أن اللخمي لم يقيد الخلاف بالمتوسطة دون البعيدة، فالخلاف فيهما إن علم ملاؤه. وابن رشد خص الخلاف بين الشيخين بالمتوسطة، وأما البعيدة فيفلس فيها وإن علم ملاؤه بلا خلاف. واللَّه تعالى أعلم. وقد علمت أيضا أن الحاضر والقريب الغيبة كالأيام اليسيرة حكمهما واحد فيفلسان بطلبه لظهور أمرهما، وقوله: "إن لم يعلم ملاؤه" هو بالمد هنا، وأما بالهمز والقصر فالجماعة من الناس وإن لم يكونوا أشرافا، وبالقصر بدون همز الأرض التسعة، ورد المص بقوله: "وفلس" لخ قول عطاء: لا يجوز لأن فيه هتك حرمة المدين وإذلاله، وقد مر أن معنى قوله: "فلس" أنه يجوز تفليسه، وأما وجوبه إذا لم يتوصل الغرماء لديونهم إلا به فهو أمر عارض. والحاصل أنه من أصله جائز ويجب عند تعذر الوصول للحق إلا به. وذكر شروط التفليس بقوله: بطلبه وإن أبى غيره دينا الباء متعلقة بقوله: "فلس" وهي للسببية، والضمير المجرور في بطلبه عائد على الغريم من إضافة المصدر إلى فاعله ودينا مفعول المصدر؛ يعني أن الحاكم يفلس المدين بسبب طلب الغريم أي رب الدين دينه الذي على المفلس وإن أبى غيره من الغرماء عن تفليسه، ومن المدونة قال مالك: إذا أراد واحد من الغرماء تفليس الغريم وحبسه، وقال بعضهم: ندعه حبس لمن أراد حبسه إن تبين لدده. نقله المواق. وقرر المص أيضا على أن الضمير في طلبه عائد على التفليس وهو حينئذ من إضافة المصدر لمفعوله، ويكون قوله: "دينا" مفعولا لأجله على حذف مضاف؛ أي فلس بسبب طلب بعض الغرماء تفليسه لأجل إرادة دين؛ لأن المفعول لأجله إنما يكون مصدرا قلبيا وهذا أصرح بالمراد؛ لأن التفليس إنما يكون بطلب التفليس ولا يلزم مِن طلب الدين طلبُ التفليس. واللَّه تعالى أعلم.