(بسم اللَّه الرحمن الرحيم الحمد للَّه وحده صلى اللَّه على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما)، ولما كان الرهن يتسبب عن الدين من قرض تارة ومن بيع أخرى وأنهى الكلام على الدينين وما يتعلق بهما من مقاصة، شرع في الكلام على ما يتسبب عنهما من رهن ونحوه فقال:
باب: ذكر فيه الرهن وحدَّه وما يتعلق بذلك، قال الخرشي: وهو لغة اللزوم والحبس فكل ملزوم مرهون؛ قال اللَّه تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} أي مرهونة محبوسة، والراهن دافعه والمرتهِن بالكسر آخذه، ويقال له مرتهَن بالفتح لأنه وضع عنده الرهن ويطلق أيضا على الراهن لأنه يسأله. انتهى. وقال الشارح: قال الجوهري والنووي: يقال رهنته الشيء وارتهنته ويجمع الرهن على رهان ورهون. الأخفش: ورُهُن قبيحة لأنه لما يجمع فَعْل على فُعُل إلا شاذا، وقد يكون رهن جمعا لرهان أي فيكون جمع الجمع والأصل في جوازه قوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}، وقوله عليه الصلاة والسلام: (الرهن من راهنه له غنمه وعليه غرمه) (?) أي له غلته وعليه ضمانه. انتهى المراد منه.
وقال الرهوني: قال في المقدمات: مذهب مالك رضي اللَّه عنه وجلِّ أهل العلم إجازة الرهن في السفر والحضر؛ لأن اللَّه تبارك وتعالى نص على جوازه في السفر بقوله: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ}، وأجازته السنة في الحضر على ما ثبت في الآثار الصحاح، ثم قال: ولا أعلم أحدا من أهل العلم منع من الرهن في الحضر وأجازه في السفر لظاهر الآية غير مجاهد، ولا تعلق له بظاهرها. انتهى.
وعرف المؤلف الرهن بقوله: الرهن بذل من له البيع ما يباع "الرهن" مبتدأ "وبذل" خبره وهو مصدر أضيف إلى فاعله "وما" مفعوله، ومعنى كلامه أن الرهن هو بذل أي إعطاء من له البيع أي من فيه أهلية البيع ما أي شيئا أو الشيء الذي يصح بيعه، بأن يكون طاهرا معلوما منتفعا به غير منهي عن بيعه، احترازا من غير المميز ومن النجس فلا يصح رهنه ومن المجهول ومن غير المنتفع به ومن المنهي عن بيعه فلا يصح رهنها، ويستثنى من قوله: "ما يباع" ما فيه غرر، ولهذا قال: أو غررا يعني أنه يصح رهن ما فيه غرر والتنوين للنوعية أي غرر غير قوي. وقوله: