كتكليفه من العمل ما لا يطيق، الضمير في تكليفه للمملوك آدميا أو غيره. قاله الحطاب؛ يعني أن الإنسان إذا كلف مملوكه آدميا أو غيره من العمل ما لا يطيقه إلا بمشقة خارجة عن المعتاد زيادة على المرتين فإنه يباع عليه، وأما المرة والمرتان فلا يباع عليه بذلك، ومحل البيع ما لم يرفع الضرر وإلا فلا يجبر على البيع، وقبل التكرر ينهى.
وعلم مما قررت أن قوله: لا يطيق، ليس المراد به ما لا يطيقه أصلا؛ لأن ذلك لا يمكن أن يكلف به؛ قال الحطاب عند قوله: ما لا يطيق: يريد ما لا يطيقه إلا بمشقة خارجة عن المعتاد، لا ما لا يطيقه أصلا، ولذلك قال مالك: لا يكلف العبد الصغير الذي لا صنعة له الخراج؛ لأنه لا يجد ما يخدم، فيؤدي إلى أن يسرق، وكذلك الأمة لأنه يؤدي إلى أن تسعى بفرجها، وروي هذا عن عثمان؛ وسئل مالك هل للسيد أن يقيم عبده للطحن بالليل؟ فقال: إذا كان يخدم بالنهار فلا ينبغي لسيده أن يقيمه بالليل ليطحن إلا الشيء الخفيف: وإن كان لا يخدم بالنهار [يجوز (?)] ذلك. انتهى. ونقله ابن عرفة وقال: ولا يخدم بالليل إلا ما خف من الأعمال، وفي كتاب الإجارة من المدونة: ومن واجر أجيرا للخدمة استعمله على عرف الناس من خدمة الليل والنهار، كمناولته إياه ثوبه أو الماء في ليله، وليس فيما يمنعه النوم إلا في أمر يعرض المرة بعد المرة فيستعمله فيه بعض ليلة، كما لا ينبغي لأرباب العبيد إجهادهم، فمن عمل منهم في نهاره ما يجهده فلا يستطحن في ليله إلا أن يخف عمل نهاره فليستطحنه في ليله إن شاء من غير إفداح، ويكره ما أجهد منه انتهى.
تنبيه: قال في الجواهر: لا يتعين ما يضرب على العبد من خراج، بل عليه بذل المجهود. انتهى. وفي التوضيح: إذا تبين ضرره بعبده في تجويعه وتكليفه من العمل ما لا يطيق وتكرر ذلك منه، بيعَ. انتهى. وتقدم حكم ما إذا أعسر السيد بنفقة أم الولد والمدبر والمعتق إلى أجل، أو غاب وتركهم، وأما إن أضر بهم، فقال في النوادر: وقال: يعني أشهب في مدبر أضر به سيده ويؤذيه قال: يخرج من يده ويؤاجر عليه، قال أصبغ: ولا يباع لأن المدبر لا يباع عليه على حال في الحياة، ولا تنقض الضرورة التدبير لأنه عتق. قال ابن رشد: هذا بيِّنٌ على ما قاله، قياسا على مدبر النصراني يسلم أنه يؤاجر ولا يباع عليه، كما يباع عليه عبده إذا أسلم وبالله التوفيق.