ادعى كل منهما الضرر وتكررت منهما الشكوى، فالمص شامل لهاتين المسألتين، والفرع الأول لابن سهل والثاني لابن الهندى، وينبغي أن يجري هذا أيضا فيما إذا تكررت منه الشكوى وعجز عن إثبات الدعوى، ومحل نقلها لمن تقبل شهادتهم في المسألتين إنما هو حيث لم تكن بينهم، وأما إن كانت بين قوم صالحين فإن الحاكم لا يلزمه نقلها إلى غيرهم، ولا يفهم من كلام المص قيد التكرار، وقد يقال: كون تسكينها بين قوم صالحين غاية مقدور الحاكم بعد زجره أو زجرهما قبل ذلك مفيد للتكرار؛ لأن الحاكم يزجره بمجرد الدعوى من غير ثبوت، ويكون الزجر حينئذ بالوعظ والأمر بالكف كما مر، ففي ابن الهندي: وإذا لم تقم بينة وادعى كل واحد إضرار صاحبه زجرا معا، وإن تكرر ترادهما أمره القاضي أن يسكنها بين قوم صالحين، ويتضح هذا بجعل الواو لعطف اللاحق بالنسبة لزجر الزوج حيث كانت هي ذات الشكوى كما في الألفية:
واعطف بواو لاحقا أو سابقا ... في الحكم أو مصاحبا موافقا
وقال محمد بن الحسن: ليس في كلام المص ما يفيد أنه يزجره قبل التسكين؛ إذ الواو لا ترتب فالصواب أن قيد التكرار بقي على المص. انتهى. وقد علمت أن الواو تعطف اللاحق، وبه يجاب عما أورده بناني. والله سبحانه أعلم. وعلم مما أشرت إليه من تقرير المص أن المرأة لها التطليق بالضرر ولو لم تشهد البينة بتكرره، ولها أن تقيم مع الضرر ويزجره الحاكم بوعظ فضرب كما يظهر من كلام غير واحد.
وإن أشكل بعث حكمين يعني أن الحاكم إذا أسكن المرأة بين قوم صالحين -وهم من تقبل شهادتهم- واستمر إشكال أمرهما مع ذلك وعمي عليه خبرهما ولم يتبين له الظالم منهما ولم يقدر على الإصلاح بينهما، فإنه يبعث حكمين ينظران في أمرهما.
قال اللخمي: إذا اختلف الزوجان وخرجا إلى ما لا يحل من المشاتمة والوثوب كان على السلطان أن يبعث حكمين ينظران في أمرهما أي الزوجين، وإن لم يترافعا ويطلبا ذلك منه ولا يحل له أن يتركهما على ما هما عليه من الإثم وفساد الدين، وإذا بعث الحكمين فإنهما يدخلان على الزوجين المرة بعد المرة ولا يلازمانهما، وظاهر المص أنه ليس بين البعث والتسكين مرتبة وهو