بسم الله الرحمن الرحيم؛ الحمد لله وحده وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه.
ولما أنهى الكلام على الحج أتبعه بالكلام على الذكاة والضحايا لأنهما كالتتمة لكتاب الحج لأن؛ المحرم يطلب بذبح الهدي أو نحره إما وجوبا أو سنة، ولأن المص أحال عيوب الهدي وسنه على الضحايا فلذلك قال:
باب: في الذكاة، ويسمى هذا الباب كتاب الذكاة وكتاب الذبائح، والذكاة في اللغة أصلها التمام، فمعنى ذكيتَ الذبيحة: أتممتَ ذبحها، وذكيتَ النار: أتممتَ إيقادها، ورجل ذكي أي تام الفهم، وفي الشرع هي السبب الذي يتوصل به إلى إباحة ما يؤكل لحمه من الحيوان.
والذبائح لغة جمع ذبيحة بمعنى مذبوحة، وفي الشرع قال ابن عرفة: الذبائح لقب لما يحرم بعض أفراده من الحيوان لعدم ذكاته، وسلبها عنه، ولا يباح بها مقدورا عليه فيخرج الصيد. انتهى. أي بقوله: مقدورا عليه، وخرج بقوله: لما يحرم بعض أفراده لخ، ما يحرم جميع أفراده كالخنزير, وما لا يحرم منه فرد كالبحري، وقوله: لعدم ذكاته، كما إذا مات حتف أنفه، وقوله: أو سلبها عنه، كالموقوذة وما معها المنفوذة القاتل. والله سبحانه أعلم.
والذبح بالكسر: ما يذبح، وبالفتح: مطلق الشق، وفي الشرع شق خاص وحكمه الأصلي الجواز، وقد يعرض له الوجوب كما في الهدي والفدية، والندب كالأضحية، والحرمة كالذبح لغير الله، والكراهة كالذبح من الفاسق.
وأنواع الذكاة أربعة: ذبح ونحر وعقر وما يموت به نحو الجراد.
وحكمة مشروعية الذكاة إزهاق النفس بسرعة واستخراج الفضلات، ولما قضى الله على خلقه بالفناء وشرف بني آدم بالعقل، أباح لهم أكل الحيوان قوة لأجسامهم وتصفية لمرآة عقولهم، وليستلذوا بطيب لحمها، ويستدلوا به على كمال قدرته، وليتنبهوا على أن للمولى الكريم بهم عناية إذ آثرهم بالحياة على غيرهم.
وبدأ المص بالنوع الأول من أنواع الذكاة لكثرة أفراده، فقال: الذكاة قطع مميز؛ يعني أن الذكاة في الذبح هي أن يقطع مميز جميع الحلقوم وجميع الودجين، وقوله: "مميز"، تحقيقا ولو سكران محققا تمييزه لا صغير لم يميز، أو سكران تحقق عدم تمييزه، أو شك فيه حيث لم يدعه فإن