مالك: وكان معنا أقوام اشتغلوا بطلب العلم ثم انقطعوا عنه، فلما سمعوا بهذا الحديث رجعوا إلى طلب العلم فهم اليوم علماء بلدنا، وقال يحيى أيضا: أول شيء حدثني به الليث أول يوم لقيته، قال لي: ما اسمك؟ قلت: يحيى، قال: متعنا الله بك، فقال يا يحيى: جد في هذا الأمر وسأحدثك بحديث تزداد به بصيرة، قال: كنا عند ابن شهاب طالبين لهذا الأمر، فقال لنا يوما: يا معشر الطلبة أراكم تزهدون في هذا الأمر، بالله الذي لا إله إلا هو لو أن بابا من العلم جعل في كفة، وجعل أعمال المرء في كفة أخرى لرجح باب العلم، ومن عمل بمشورة أهل العلم فقد رشد، ومن عمل بغير علم وبغير مشورة فقد خسر خسرانا مبينا.

وعن عبد الله بن مسعود أنه كان يقول إذا رأى الشباب يطلبون العلم: مرحبا بينابيع الحكمة ومصابيح الظلم، خلقان الثياب، جدد القلوب، ريحان كل قبيلة، وقيل: كلمة حكمة من أخيك خير لك من مال تعطاه؛ لأن المال يطغيك والكلمة تهديك، وقال الحسن البصري: الدنيا كلها ظلمة إلا مجالس العلماء، وقيل مثل العالم في البلد مثل عين عذبة في البلد، وقال ابن المبارك: خير سليمان بن داوود عليهما السلام بين الملك والعلم فاختار العلم، فآتاه الله الملك والعلم باختياره العلم.

ويروى عن معاذ بن جبل: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشية، وطلبه عبادة، ومذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قربة؛ لأنه معالم الحلال والحرام، ومنار سبل أهل الجنة، وهو الأنس في الوحشة، والصاحب في الغربة، والمحدث في الخلوة، والدليل على السراء والضراء، والسلاح على الأعداء، والزين عند الأخلاء، يرفع الله به أقواما فيجعلهم في الخير قادة وأئمة تقتص آثارهم ويقتدى بفعالهم وينتهى إلى رأيهم، ترغب الملائكة في خلتهم، يستغفر لهم كل رطب ويابس وحيتان البحر وهوامه وسباع البر وأنعامه؛ لأن العلم حياة القلوب من الجهل، ومصابيح الأبصار من الظلم يبلغ العبد بالعلم منازل الأخيار والدرجات العلى في الدنيا والآخرة، التفكر فيه يعدل الصيام

طور بواسطة نورين ميديا © 2015