وقال في العارضة: وصل الصوم بأوائل شوال مكروه جدا؛ لأن الناس صاروا يقولون نشيع رمضان، وكما لا يتقدم لا يشيع، ومن صام رمضان وستة أيام كمن صام الدهر قطعا، لقوله تعالى: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا}؛ يعني من شوال أو من غيره، وما كان من غيره أفضل، ومن أوسطه أفضل من أوله، وهو أبين وأحوط للشريعة وأذهب للبدعة، ورأى ابن المبارك والشافعي أنها من أول شوال ولست أراه، ولو عَلِمْتُ من يصومها من أول الشهر وملكت الأمر أدبته وشردت به لأن أهل الكتاب بمثل هذه الفعلة غيروا دينهم. انتهى.
قال مقيد هذا الشرح عفا الله تعالى عنه: قد مر قول ابن الحاجب: إن الأيام إنما يكره صومها للعمل، وقد مر تصريح الإمام بذلك في الموطإ، وإذا كان الأمر كذلك فيخف تهويل بعض الناس وتعظيمه لشأن ذلك، وقوله: إن المصنف خالف صريح الحديث، وذلك لأنه قد تقرر أن ما عليه عمل أهل المدينة يقدمه الإمام على خبر الآحاد، فقول ابن الحاجب للعمل يكفي حجة للإمام مالك. والله سبحانه أعلم. قوله في الحديث الشريف: فكأنما صام الدهر، المراد عمره. قاله الشبراخيتي.
واعلم أن الإمام مالكا استحب صيام الستة في غير شوال، وإن كان قد ورد الترغيب في ست من شوال خوفا من إلحاقها برمضان عند الجهال، وإنما عينه الشرع من شوال للخفة على المكلف لقربه من الصوم، وإلا فالمقصود حاصل في غيره، فيشرع التأخير جمعا بين المصلحتين.
وفي الحطاب: حمل تعيينها من شوال على التخفيف في حق المكلف لاعتياده الصيام لا تخصيص حكمها بذلك؛ إذ لو صامها في عشر ذي الحجة لكان ذلك أحسن لحصول المقصود مع حيازة فضل الأيام المذكورة والسلامة مما اتقاه مالك. انتهى. وقوله في الحديث الشريف: فكأنما صام الدهر، فإن قيل يشترط في التشبيه المساواة [أو] (?)، المقاربة وهنا ليس كذلك والأجر على قدر العمل ولا مداناة بين عشر الشيء وكله، فالجواب أن المعنى: فكأنما صام الدهر لو كان من غير هذه الأمة، أشار له الحطاب، وهذا الأجر مختلف فخمسة أسداسه الناشئة من رمضان أعظم أجرا