واعلم أن هذه الكيفيات الثلاث تجري في الأصناف المتعددة كما مثلت لك، وفي المصنف الواحد من الرجال الأحرار فقط والصغار منهم فقط، وهكذا إلى أن تأتي على بقية الأصناف كما يفيده كلام ابن رشد والشارح. والله سبحانه أعلم.

وعلم مما قررت أن المراد بالصنف في كلام المصنف الجنس، فيشمل الأصناف المتقدمة، وفي صحيح البخاري عنه صلى الله عليه وسلم: (من اتبع جنازة مسلم إيماناً واحتساباً، وكان معها حتى يصلي عليها ويفرغ من دفنها، فإنه يرجع من الأجر بقيراطين كل قيراط مثل أحد، ومن صلى ثم رجع قبل أن تدفن فإنه يرجع بقيراط (?)). واختار البغوي هذه الرواية في المصابيح، قال مخرجه: لنكتة حسنة؛ وهو التصريح بأن القيراطين عن الصلاة وحضور الدفن، بخلاف ما في مسلم فإنه ربما يتوهم متوهم منه أن القيراطين عن الدفن وواحد عن الصلاة. انتهى. ووقت استحقاق الأول: وقت الفراغ من الصلاة، ووقت استحقاق الثاني: الفراغ من الدفن، وتوابعه من صب الماء وغيره.

وأحد جبل بالمدينة؛ وإنما خص التمثيل به لأنه أكبر الجبال فإنه بلغ إلى الأرض السابعة، وإن كنت تراه صغيراً؛ لأن كل عرق منه يتشعب من عروق تتصل بكلِّ جبل من جبال الدنيا، والمعنى أنه لو كان هذا الجبل من ذهب أو فضة وتصدق به كان ثوابه مثل ثواب هذا القيراط، وهذا ما عليه الأكثر. ويحتمل أنه لو جعل هذا الجبل في كفة، وجعل هذا القيراط في كفة لكان يساويه، فالأول ناظر للتصدق بزنته نقداً، والثاني ناظر لعدله ثوابا، وقال الشيخ زروق. عن الشاذلي: ظاهر كلام الشيخ؛ أي صاحب الرسالة أن: القيراط في الدفن يحصل وإن لم يتبعها في الطريق؛ وهو ظاهر قول المدونة، وجائز أن يسبق وينتظر.

وحضور الجنازة إما رغبة في الآخرة، أو خوفًا من أن يعاقب، أو مكافأة؛ فالأول فيه الأجر والاخران لا أجر فيهما، ويدل له حديث البخاري المتقدم، وهذا يخالف ما لابن العماد، فإنه قال: لا يقدح في الأجر كون الإنسان يتبع الجنازة لأجل أقاربها؛ لأن ذلك مأمور به فلا يدخله الرياء كما توهمه بعضهم، وقد وجد في الحلية لأبي نعيم عن ابن سيرين: أنه سئل عن ذلك؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015