وَنَعِيمِهِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، فَإِذَا ظَهَرَ لِلذَّوْقِ السَّلِيمِ طَابَقَ الْعَقْلَ الْمُسْتَقِيمَ.

(وَمِنْهَا) أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ أَمْرَ الْآخِرَةِ وَمَا كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا غَيْبِيًّا وَحَجَبَهَا عَنْ إِدْرَاكِ الْعُقُولِ فِي هَذِهِ الدَّارِ وَذَلِكَ مِنْ كَمَالِ حِكْمَتِهِ وَلِيَتَمَيَّزَ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْغَيْبِ مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَوَّلُ ذَلِكَ الْمَلَائِكَةُ تَنْزِلُ عَلَى الْمُحْتَضِرِ وَتَجْلِسُ قَرِيبًا مِنْهُ وَيُشَاهِدُهُمْ عِيَانًا وَيَتَحَدَّثُونَ عِنْدَهُ وَمَعَهُ وَرُبَّمَا كَلَّمَهُمْ وَرَدَّ أَجْوِبَةً لَهُمْ، وَتَكُونُ مَعَهُمُ الْأَكْفَانُ وَالْحَنُوطُ إِمَّا مِنَ الْجَنَّةِ وَإِمَّا مِنَ النَّارِ.

وَيُؤَمِّنُونَ عَلَى دُعَاءِ الْحَاضِرِينَ بِالْخَيْرِ وَالشَّرِّ وَقَدْ يُسَلِّمُونَ عَلَى الْمُحْتَضِرِ وَيَرُدُّ عَلَيْهِمُ السَّلَامَ تَارَةً بِلَفْظِهِ وَتَارَةً بِإِشَارَةٍ وَتَارَةً بِقَلْبِهِ إِذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنَ النُّطْقِ وَالْإِشَارَةِ وَقَدْ سُمِعَ بَعْضُ الْمُحْتَضَرِينَ يَقُولُ أَهْلًا وَسَهْلًا وَمَرْحَبًا بِهَذِهِ الْوُجُوهِ. وَمِنْ ذَلِكَ حِكَايَاتٌ كَثِيرَةٌ وَقَدْ شَاهَدْنَا مِنْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَخْطُرْ بِالْبَالِ وَلَا يَتَصَوَّرْهُ الْخَيَالُ.

(وَمِنْهَا) أَنَّ النَّارَ الَّتِي فِي الْقَبْرِ لَيْسَتْ مِنْ نَارِ الدُّنْيَا فَيُشَاهِدُهَا مَنْ شَاهَدَ نَارَ الدُّنْيَا وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ نَارِ الْآخِرَةِ فَهِيَ وَإِنْ كَانَتْ أَشَدَّ مِنْ نَارِ الدُّنْيَا إِلَّا أَنَّ شِدَّتَهَا عَلَى مَنْ هِيَ لَهُ وَعَلَيْهِ دُونَ مَنْ مَسَّهَا مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، بَلْ رُبَّمَا دُفِنَ الرَّجُلَانِ فِي قَبْرٍ وَاحِدٍ فَيَكُونُ أَحَدُهُمَا فِي رَوْضَةٍ وَنَعِيمٍ وَالْآخَرُ فِي حُفْرَةٍ وَعَذَابٍ أَلِيمٍ وَقُدْرَةُ الرَّبِّ أَعْظَمُ وَأَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ وَلَكِنِ الْكَافِرُونَ لَا يَشْعُرُونَ.

(وَمِنْهَا) أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُحْدِثُ فِي هَذِهِ الدَّارِ مَا هُوَ أَعْجَبُ مِنْ ذَلِكَ فَهَذَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَنْزِلُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَتَمَثَّلُ لَهُ رَجُلًا فَيُكَلِّمُهُ بِكَلَامٍ يَسْمَعُهُ وَمَنْ إِلَى جَانِبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَرَاهُ وَكَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَكَانَتِ الْمَلَائِكَةُ تَضْرِبُ الْكُفَّارَ بِالسِّيَاطِ وَتَضْرِبُ رِقَابَهُمْ وَتَصِيحُ بِهِمْ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُمْ لَا يَرَوْنَهُمْ وَلَا يَسْمَعُونَ كَلَامَهُمْ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حَجَبَ ابْنَ آدَمَ عَنْ كَثِيرٍ مِمَّا يَحْدُثُ فِي الْأَرْضِ وَهُوَ بَيْنَهُمْ فَهَذَا جِبْرِيلُ كَانَ يُدَارِسُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقُرْآنَ وَالْحَاضِرُونَ لَا يَسْمَعُونَهُ.

وَكَيْفَ يَسْتَنْكِرُ مَنْ عَرَفَ اللَّهَ وَأَقَرَّ بِقُدْرَتِهِ أَنْ يُحْدِثَ حَوَادِثَ يَصْرِفُ عَنْهَا أَبْصَارَ خَلْقِهِ وَأَسْمَاعَهُمْ حِكْمَةً مِنْهُ وَرَحْمَةً بِهِمْ لِأَنَّهُمْ لَا يُطِيقُونَ رُؤْيَتَهَا وَسَمَاعَهَا وَالْعَبْدُ أَضْعَفُ بَصَرًا وَسَمْعًا مِنْ أَنْ يَثْبُتَ لِمُشَاهَدَةِ عَذَابِ الْقَبْرِ وَكَثِيرٌ مِمَّنْ أَشْهَدَهُ اللَّهُ ذَلِكَ ضَعُفَ وَغُشِيَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْتَفِعْ بِالْعَيْشِ زَمَنًا، وَبَعْضُهُمْ كُشِفَ قِنَاعُ قَلْبِهِ فَمَاتَ.

وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015