لِعُقُوبَتِهِ، وَالْإِيمَانُ الَّذِي كَانَ مَعَهُ بَاطِلٌ لَا فَائِدَةَ فِيهِ بَلْ وُجُودُهُ كَعَدَمِهِ، وَإِذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَمُوتُ مُسْلِمًا لَمْ يَزَلْ مُرِيدًا لِإِثَابَتِهِ، وَالْكُفْرُ الَّذِي فَعَلَهُ وَجُودُهُ كَعَدَمِهِ فَلَمْ يَكُنْ هَذَا كَافِرًا عِنْدَهُمْ أَصْلًا. فَهَؤُلَاءِ يَسْتَثْنُونَ مِنَ الْإِيمَانِ بِنَاءً عَلَى الْمَأْخَذِ وَكَذَلِكَ بَعْضُ مُحَقِّقِيهِمْ يَسْتَثْنُونَ فِي الْكُفْرِ مِثْلُ أَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ، كَمَا نَقَلَهُ عَنْهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، نَعَمْ جَمَاهِيرُ الْأَئِمَّةِ لَا يَسْتَثْنِي فِي الْكُفْرِ، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ بِدْعَةٌ لَمْ يُعْرَفْ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ، وَلَكِنَّ هَؤُلَاءِ لَازِمٌ لَهُمْ، وَالَّذِينَ فَرَّقُوا مِنْ هَؤُلَاءِ قَالُوا: نَسْتَثْنِي فِي الْإِيمَانِ رَغْبَةً إِلَى اللَّهِ أَنْ يُثَبِّتَنَا عَلَيْهِ إِلَى الْمَوْتِ، وَالْكُفْرُ لَا يَرْغَبُ فِيهِ أَحَدٌ، قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ: وَعِنْدَ هَؤُلَاءِ لَا يَعْلَمُ أَحَدٌ أَحَدًا مُؤْمِنًا إِلَّا إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَمُوتُ عَلَيْهِ، وَهَذَا الْقَوْلُ قَالَهُ الْكَثِيرُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَوَافَقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أَتْبَاعِ الْأَئِمَّةِ.
قَالَ: وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا قَوْلَ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ لَا الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ وَلَا كَانَ أَحَدٌ مِنَ السَّلَفِ الَّذِينَ يَسْتَثْنُونَ فِي الْإِيمَانِ يُعَلِّلُونَ بِهَذَا لَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَلَا مَنْ كَانَ قَبْلَهُ، قَالَ: وَمَأْخَذُ هَذَا الْقَوْلِ طَرْدُ طَائِفَةٍ مِمَّنْ كَانُوا فِي الْأَصْلِ يَسْتَثْنُونَ فِي الْإِيمَانِ اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ، وَكَانُوا قَدْ أَخَذُوا الِاسْتِثْنَاءَ عَنِ السَّلَفِ، وَكَانَ أَهْلُ الشَّامِ شَدِيدِينَ عَلَى الْمُرْجِئَةِ، وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفِرْيَابِيُّ صَاحِبُ الثَّوْرِيِّ مُرَابِطًا بِعَسْقَلَانَ لَمَّا كَانَتْ عَامِرَةً وَكَانَتْ مِنْ خِيَارِ ثُغُورِ الْمُسْلِمِينَ وَكَانُوا يَسْتَثْنُونَ اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ وَاسْتَثْنَوْا أَيْضًا فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ كَقَوْلِ الرَّجُلِ صَلَّيْتُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ، يَعْنِي الْقَبُولَ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْآثَارِ عَنِ السَّلَفِ، ثُمَّ صَارَ كَثِيرًا مِنْ هَؤُلَاءِ يَسْتَثْنُونَ فِي كُلِّ شَيْءٍ فَيَقُولُ: هَذَا ثُوبِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَهَذَا جَبَلٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَإِذَا قِيلَ لِأَحَدِهِمْ هَذَا لَا شَكَّ فِيهِ، قَالَ: نَعَمْ لَا شَكَّ فِيهِ، لَكِنْ إِذَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُغَيِّرَهُ غَيَّرَهُ فَيُرِيدُونَ بِقَوْلِهِمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ جَوَازَ تَغْيِيرِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْحَالِ لَا شَكَّ فِيهِ كَأَنَّ الْحَقِيقَةَ عِنْدَهُمُ الَّتِي لَا يُسْتَثْنَى فِيهَا مَا لَمْ تَتَبَدَّلْ كَمَا يَقُولُهُ أُولَئِكَ فِي الْإِيمَانِ أَنَّ الْإِيمَانَ مَا عَلِمَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَتَبَدَّلُ حَتَّى يَمُوتَ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ، قَالَ: وَهَذَا الْقَوْلُ قَالَهُ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ بِاجْتِهَادٍ وَنَظَرٍ، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَسْتَثْنُونَ فِي كُلِّ شَيْءٍ تَلَقَّوْا ذَلِكَ عَنْ بَعْضِ أَشْيَاخِهِمْ، وَشَيْخُهُمُ الَّذِي يَنْتَسِبُونَ إِلَيْهِ يُقَالُ لَهُ أَبُو عَمْرٍو