حَدِيثِ جِبْرِيلَ سَمَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْإِيمَانَ وَالْإِسْلَامَ وَالْإِحْسَانَ دِينًا، فَالْإِيمَانُ وَالْإِسْلَامُ كَاسْمِ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ إِذَا اجْتَمَعَا افْتَرَقَا، وَإِذَا افْتَرَقَا اجْتَمَعَا، فَإِذَا أُفْرِدَ أَحَدُهُمَا دَخَلَ فِيهِ الْآخَرُ، وَإِذَا قُرِنَ بَيْنَهُمَا احْتَاجَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى تَعْرِيفٍ يَخُصُّهُ، فَإِذَا قُرِنَ بَيْنَ الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ فَالْمُرَادُ بِالْإِيمَانِ جِنْسُ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ، وَالْإِسْلَامُ جِنْسُ الْعَمَلِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَسَائِلَ الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ مَسَائِلُ عَظِيمَةٌ جِدًّا، فَإِنَّ اللَّهَ - تَعَالَى - عَلَّقَ بِهَذِهِ الْأَسْمَاءِ السَّعَادَةَ وَالشَّقَاوَةَ وَاسْتِحْقَاقَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَالِاخْتِلَافُ فِي مُسَمَّيَاتِهَا أَوَّلُ اخْتِلَافٍ وَقَعَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ وَهُوَ خِلَافُ الْخَوَارِجِ لِلصَّحَابَةِ حَيْثُ أَخْرَجُوا عُصَاةَ الْمُوَحِّدِينَ مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْكُلِّيَّةِ وَأَدْخَلُوهُمْ فِي دَائِرَةِ الْكُفْرِ وَعَامَلُوهُمْ مُعَامَلَةَ الْكُفَّارِ، وَاسْتَحَلُّوا بِذَلِكَ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ، ثُمَّ حَدَثَ بَعْدَهُمْ خِلَافُ الْمُعْتَزِلَةِ وَقَوْلُهُمْ بِالْمَنْزِلَةِ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ، ثُمَّ حَدَثَ خِلَافُ الْمُرْجِئَةِ وَقَوْلُهُمْ أَنَّ الْفَاسِقَ مُؤْمِنٌ كَامِلُ الْإِيمَانِ، وَقَدْ أَكْثَرَ الْأَئِمَّةُ مِنَ التَّصْنِيفِ فِي هَذَا الْبَابِ، وَحَاصِلُ ذَلِكَ أَنَّ الدِّينَ وَأَهْلَهُ كَمَا أَخْبَرَ خَاتَمُ النَّبِيِّينَ وَإِمَامُ الْمُرْسَلِينَ ثَلَاثُ طَبَقَاتٍ أَوَّلُهَا الْإِسْلَامُ وَأَوْسَطُهَا الْإِيمَانُ وَأَعْلَاهَا الْإِحْسَانُ فَمَنْ وَصَلَ إِلَى الْعُلْيَا فَقَدْ وَصَلَ إِلَى الَّتِي تَلِيهَا فَالْمُحْسِنُ مُؤْمِنٌ، وَالْمُؤْمِنُ مُسْلِمٌ، وَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَلَا يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُؤْمِنًا، وَهَكَذَا جَاءَ الْقُرْآنُ فَجَعَلَ الْأُمَّةَ عَلَى هَذِهِ الْأَصْنَافِ الثَّلَاثَةِ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى -: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ} [فاطر: 32] فَالْمُسْلِمُ الَّذِي لَمْ يَقُمْ بِوَاجِبِ الْإِيمَانِ هُوَ الظَّالِمُ لِنَفْسِهِ، وَالْمُقْتَصِدُ الَّذِي أَدَّى الْوَاجِبَ وَتَرَكَ الْمُحَرَّمَ وَهُوَ الْمُؤْمِنُ الْمُطْلَقُ، وَالسَّابِقُ بِالْخَيْرَاتِ هُوَ الْمُحْسِنُ الَّذِي عَبَدَ اللَّهَ كَأَنَّهُ يَرَاهُ، وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ تَقْسِيمَ النَّاسِ فِي الْمَعَادِ إِلَى هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فِي سُورَةِ الْوَاقِعَةِ، وَالْمُطَفِّفِينَ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
الثَّالِثُ:
هَلْ قَبُولُ الْإِيمَانِ لِلزِّيَادَةِ وَلِنَقْصٍ مُخْتَصٌّ بِقَوْلِ السَّلَفِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ مِنْ أَنَّ الْإِيمَانَ تَدْخُلُ فِيهِ الْأَعْمَالُ وَذَهَبَ إِلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ مُحَقِّقِي الْأَشَاعِرَةِ كَالْقَلَانِسِيِّ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْفُقَهَاءِ وَالْمُحَدِّثِينَ، وَنَقَلَ الشَّافِعِيُّ عَلَى ذَلِكَ