، أَوْ غَيْرِهِ ازْدَادُوا رَغْبَةً فِيهِ، وَإِنْ كَانَتْ نَهْيًا عَنْ شَيْءٍ انْتَهَوْا عَنْهُ فَكَرِهُوهُ ; وَلِهَذَا قَالَ: {وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} [التوبة: 124] ، وَالِاسْتِبْشَارُ غَيْرُ مُجَرَّدِ التَّصْدِيقِ. وَقَالَ - تَعَالَى -: {وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر: 31] الْآيَةَ. وَهَذِهِ نَزَلَتْ لَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ وَأَصْحَابُهُ فَجَعَلَ السَّكِينَةَ مُوجِبَةً لِزِيَادَةِ الْإِيمَانِ، وَالسَّكِينَةُ هِيَ طُمَأْنِينَةٌ فِي الْقَلْبِ، وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: {يَهْدِ قَلْبَهُ} [التغابن: 11] هُدَاهُ لِقَلْبِهِ زِيَادَةٌ فِي إِيمَانِهِ كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد: 17] وَقَالَ: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى} [الكهف: 13] .
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ -: زِيَادَةُ الْإِيمَانِ الَّذِي أَمَرَ اللَّه بِهِ، وَالَّذِي يَكُونُ مِنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا الْإِجْمَالُ، وَالتَّفْصِيلُ فِيمَا أُمِرُوا بِهِ، فَإِنَّهُ وَجَبَ عَلَى جَمِيعِ الْخَلْقِ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَوَجَبَ عَلَى كُلِّ أُمَّةٍ الْتِزَامُ مَا يَأْمُرُ بِهِ رَسُولُهُمْ مُجْمَلًا، فَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ مَا وَجَبَ بَعْدَ نُزُولِ الْقُرْآنِ كُلِّهِ، وَلَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ عَبْدٍ مِنَ الْإِيمَانِ الْمُفَصَّلِ مَا أَخْبَرَ بِهِ الرَّسُولُ مَا يَجِبُ عَلَى مَنْ بَلَغَهُ خَبَرُهُ، فَمَنْ عَرَفَ الْقُرْآنَ، وَالسُّنَنَ وَمَعَانِيَهَا لَزِمَهُ مِنَ الْإِيمَانِ الْمُفَصَّلِ بِذَلِكَ مَا لَمْ يَلْزَمْ غَيْرَهُ، وَلَوْ آمَنَ الرَّجُلُ بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ شَرَائِعَ الدِّينِ مَاتَ مُؤْمِنًا بِمَا وَجَبَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِيمَانِ، وَلَيْسَ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَلَا مَا وَقَعَ مِنْهُ مِثْلَ إِيمَانِ مَنْ عَرَفَ الشَّرَائِعَ، فَآمَنَ بِهَا وَعَمِلَ بِهَا بَلْ إِيمَانُ هَذَا أَكْمَلُ وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: 3] أَيْ فِي التَّشْرِيعِ بِالْأَمْرِ، وَالنَّهْيِ لَا أَنَّ كَلَّ وَاحِدٍ مِنَ الْأُمَّةِ وَجَبَ عَلَيْهِ مَا يَجِبُ عَلَى سَائِرِ الْأُمَّةِ، وَأَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ بَلِ النَّاسُ مُتَفَاضِلُونَ فِي الْإِيمَانِ أَعْظَمَ تَفَاضُلٍ.
الثَّانِي: الْإِجْمَالُ، وَالتَّفْصِيلُ فِي مَا وَقَعَ مِنْهُمْ، فَمَنْ طَلَبَ عِلْمَ التَّفْصِيلِ وَعَمِلَ بِهِ، فَإِيمَانُهُ أَكْمَلُ مِمَّنْ عَرَفَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَالْتَزَمَهُ وَأَقَرَّ بِهِ وَلَمْ يَعْمَلْ بِذَلِكَ كُلِّهِ، وَهَذَا الْمُقِرُّ الْمُقَصِّرُ فِي الْعَمَلِ إِنِ اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ وَكَانَ خَائِفًا مِنْ عُقُوبَةِ رَبِّهِ عَلَى تَرْكِ الْعَمَلِ أَكْمَلُ إِيمَانًا مِمَّنْ لَمْ يَطْلُبْ مَعْرِفَةَ مَا أَمَرَ بِهِ الرَّسُولِ