وظاهر ما قدمنا من الأخبار الصحيحة والآثار الصريحة على أن هؤلاء يموتون حقيقة وتفارق أرواحهم أجسادهم، ويدل له أيضًا ما أخرجه البزار عن أبي هريرة -رضي اللَّه عنه- مرفوعًا: "إن أدنى أهل الجنة حظًا أو نصيبًا قوم يخرجهم اللَّه تعالى من النار فيرتاح لهم الرب تبارك وتعالى وذلك أنهم كانوا لا يشركون باللَّه شيئًا فينبذون بالعراء فينبتون كما ينبت البقل حتى إذا دخلت الأرواح أجسادهم فيقولون ربنا (كما) (?) أخرجتنا من النار ورجعت الأرواح إلى أجسادنا فاصرف وجوهنا عن النار فيصرف وجوههم عن النار" (?).
قال القرطبي -رحمه اللَّه تعالى-: في قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "فأماتهم اللَّه إماتة، هذه الموتة للعصاة موتة حقيقية لأنه أكدها بالمصدر وذلك تكريمًا لهم حتى لا يحسوا بالعذاب" قال: فإن قيل فأي فائدة حينئذ في إدخالهم النار وهم لا يحسون بالعذاب؟.
فالجواب يجوز أن يدخلهم تأديبًا لهم وإن لم يذوقوا فيها العذاب ويكون صرف نعيم الجنة عنهم مدة كونهم فيها عقوبة لهم كالمحبوسين في السجن فإن السجن عقوبة لهم، وإن لم يكن من غل ولا قيد، قال: ويحتمل أنهم يعذبون أولًا وبعد ذلك يموتون ويختلف حالهم في طول التعذيب بحسب جرائمهم وآثامهم ويجوز أن يكونوا متألمين حالة موتهم غير أن آلامهم أخف من آلام الكفار (لأن آلام) (?) الكفار المعذبين وهم موتى أخف من عذابهم وهم أحياء دليله قوله تعالى: {وَحَاقَ