أحدهما في روضة ونعيم والآخر في حفرة وعذاب أليم وفي قدرة الحكيم المالك أعظم وأعجب من ذلك وإن كان الضالون لا يشعرون حتى أنه تعالى يحدث في هذا الدار ما يدل على ذلك بل وأعجب من ذلك، فهذا جبريل عليه السلام كان ينزل على النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ويتمثل له رجلًا فيكلمه بكلام يسمعه ومن إلى جنب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لا يراه ولا يسمع كلامه وكذلك غيره من الأنبياء وكانت الملائكة تضرب الكفار بالسياط وتضرب رقابهم وتصيح بهم والمسلمون معهم لا يرونهم ولا يسمعون كلامهم.
والحق جل شأنه حجب ابن آدم عن كثير مما يحدث في الأرض فكان جبريل يدارس النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- القرآن والحاضرون لا يسمعونه، وكيف يستنكر من عرف اللَّه وأقر بقدرته أن يحدث حوادث يصرف عنها أبصار خلقه وأسماعهم حكمة منه ورحمة بهم لأنهم لا يطيقون رؤيتها وسماعها فالعبد أضعف بصرًا وسمعًا من أن يثبت لمشاهدة عذاب القبر وقد أشهد اللَّه تعالى ذلك بعض عباده فغشي عليهم ولم ينتفعوا بالعيش زمانًا وبعضهم كشف قناع قلبه فمات. . .
وسر المسألة أن توسعة القبر وضيقه وإضاءته وخضرته وناره وحياته وعقاربه ليس من جنس المعهود في هذا العالم والمولى الحكيم إنما أشهد عباده هذه الدار وما كان فيها ومنها، وأما ما كان من أمر الآخرة فقد أسبل اللَّه عليه الغطا ليكون الإقرار به والإيمان سببًا لسعادتهم ولو كشف عنه الغطا لكان مشاهدًا عيانًا وفاتت نتيجة الإيمان بالغيب وما يترتب على ذلك من جزيل الثواب (?).
والحاصل أن كلما أخبر به الصادق المصدوق وجب الإيمان به وقد تواتر عنه