الراحمين يفعل هذا إنكارًا لأن يكن له تعالى رحمة يتصف بها سبحانه زعمًا منه أنه ليس له إلا مشيئة محضة لا اختصاص لها بحكمة بل يرجح أحد المتماثلين بلا مرجح (?).
هذا وأما مذهب السلف الصالح المثبتون للقدر من جميع الطوائف فإنهم يقولون إن العبد فاعل لفعله حقيقة وإن له قدرة حقيقة واستطاعة حقيقة ولا ينكرون تأثير الأسباب الطبيعية بل يقرون بما دل عليه الشرع والعقل من أن اللَّه تعالى ينبت النبات بالماء وأن اللَّه يخلق السحاب بالرياح وينزل الماء بالسحاب، ولا يقولون القوى والطبائع الموجودة في المخلوقات لا تأثير لها أثرًا لفظًا ومعنى من تأثير الأسباب في مسباتها واللَّه تعالى خالق السبب والمسبب.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية الأعمال والأقوال والطاعات والمعاصي من العبد بمعنى أنها قائمة به وحاصلة بمشيئته وقدرته وهو المتصف بها والمتحرك بها ويعود حكمها عليه وهي من اللَّه تعالى بمعنى أنه خلقها قائمة بالعبد وجعلها عملًا له وكسبًا، فهي من اللَّه مخلوقة له، ومن العبد صفة قائمة به واقعة بقدرته وكسبه كما إذا قلنا هذه الثمرة من الشجرة، وهذا الزرع من الأرض بمعنى أنه حدث منها ومن اللَّه بمعنى أنه خلقه منها فالحوادث تضاف إلى خالقها باعتبار وإلى أسبابها باعتبار (?).
والحاصل أن مذهب السلف ومحققي أهل السنة أن اللَّه تعالى خلق قدرة العبد وإرادته وفعله وأن العبد فاعل لفعله حقيقة ومحدث لفعله واللَّه تعالى هو الذي جعله فاعلًا محدثًا له قال تعالى:
{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30]، فأثبت مشيئة العبد وأخبر أنها لا تكون إلا بمشيئته تعالى.