وإن هذا الشرح قد وقع فيه من الإطناب والتطويل ما يثقل حمله على أرباب الكسل، وتتعسر مطالعته والخوض فيه على بعض أصحاب التحصيل، وكنت أردت في بدء الأمر أن أسلك في هذا الشرح سبيل الاقتصار، ولا أكتب إلا ما يحتاج إليه في مطالعة الأحاديث على وجه الضرورة والاضطرار، ولكن لما منّ اللَّه سبحانه عليّ بغنائم فضله وإحسانه، وفتح عليّ خزائن جُوده وامتنانه على الإطلاق، ما أمسكت في إنفاقها على الطالبين متحرِّزًا بقوله تعالى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ} [الإسراء: 100].
وما تركت حديثًا إلا شرحته وتكلمت فيه وإن قلّ، ضبطًا لأحاديث الكتاب، وتشرفًا لها، بخلاف طريق الشارح الأول، وقد ضبط الشارح الأحاديث بالأول والثاني، وكتب اسم الراوي في كل فصل من الفصول، ورقّمت أنا لعددها رومًا للاختصار، وكتبت اسم الصحابي في الهامش (?) على طريقة (جامع الأصول) (?)، والتزمت في شرح تراجم الأبواب ذكر معانيها وأحكامها، مما فيه تحقيق ذلك المقام، فاندرجت في ذلك علوم جمة، وفوائد مهمة، بتوفيق الملك العلّام، وسميته بـ (لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح)، وأرجو من اللَّه أن يجعلني فيما عملت في هذا الشرح مأجورًا، ويجعل سعيي في سلوك طريق جمعه وتأليفه مشكورًا، ولا يضيع ما كابدت في الهواجر، وسهرت في الدياجر في الأيام والليالي، إنه لا يضيع أجر عمل عامل من الأداني والأعالي، وإني لا أسأل أحدًا على ذلك أجرًا، إن أجري إلا على اللَّه، وهو تعالى حَسْبُ من توكل عليه وكفاه، اللهم أغنِنا بفضلك عمن سواك، واجعلنا ممن أعطيته