ليس العلم بكثرة الرواية، وإنما هو نور يضعه اللَّه في القلب.
وقال أبو عبد اللَّه: رأيت كأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في المسجد قاعدًا والناس حوله ومالك قائم بين يديه، وبين يدي رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- مسك فهو يأخذ منه قبضة قبضة، ويدفعها إلى مالك ومالك يذرها على الناس، قال مطرف: فأولت ذلك العلم واتباع السنة.
وقال الشافعي: قالت لي عمتي ونحن بمكة: رأيت في هذه الليلة عجبًا! فقلت: لها: وما هو؟ قالت: رأيت كأن قائلًا يقول: مات الليلة أعلم أهل الأرض، قال الشافعي: فحسبنا ذلك فإذا هو يوم مات مالك بن أنس.
وروي عن مالك أنه قال: دخلت على هارون الرشيد فقال لي: يا أبا عبد اللَّه ينبغي أن تختلف إلينا حتى يسمع صبياننا منك "الموطأ"، قال: قلت: أعز اللَّه أمير المؤمنين، إن هذا العلم منكم خرج، فإن أنتم أعززتموه عز، وإن ذللتموه ذل، والعلم يؤتى ولا يأتي، فقال: صدقت، اخرجوا إلى المسجد حتى تسمعوا مع الناس.
وروي أن الرشيد سأل مالكًا فقال: هل لك دار؟ قال: لا، فأعطاه ثلاثة آلاف دينار، وقال: اشتر بها دارًا، فأخذها ولم ينفقها، فلما أراد الرشيد الشخوص قال لمالك: ينبغي أن تخرج معي، فإني عزمت أن أحمل الناس على "الموطأ" كما حمل عثمان الناس على القرآن، فقال: أما حمل الناس على "الموطأ" فليس لك إلى ذلك سبيل؛ لأن أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- افترقوا بعده في الأمصار فحدثوا، فعند كل أهل مصر علم، وقد قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اختلاف أمتي رحمة"، وأما الخروج معك فلا سبيل إليه، قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون"، وقال: "المدينة تنفي خبثها"، و"هذه دنانيركم هي، إن شئتم فخذوها وإن شئتم فدعوها"، يعني: إنك إنما تكلفني مفارقة المدينة لما اصطنعته لي، فلا أوثر الدنيا على مدينة رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.