فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا، وَاللَّهِ لَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
في طرق متعددة، وأبطله القاضي أبو بكر بن العربي، وحق له أن يبطل، وحمله الإسماعيلي على أن ذلك قبل حصول العلم الضروري له -صلى اللَّه عليه وسلم- في أوائل التباشير في النوم واليقظة وسماع الصوت قبل لقاء الملك.
ولا يخفى أن ظاهر الحديث يدل على أنه بعد مجيء الملك وإتيانه بـ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} وبعد حصول ذلك العلم في الحالة المذكورة، وأنى يتصور عدم حصوله بعد مثل هذه الخلوة والتحنث، وظهور الأنوار، ونزول الملك بالقران على الطريقة المذكورة، فتبطل هذه الخشية قطعًا، واللَّه أعلم. وقيل: خشي الموت من شدة الرعب، وقيل: المرض، وقيل: العجز عن حمل أعباء النبوة، وقيل: عدم الصبر على أذى قومه، وقيل: أن يقتلوه، وقيل: مفارقة الوطن كما يظهر من قوله لورقة: (أو مخرجي هم؟ )، واللَّه أعلم.
وقوله: (لا يخزيك اللَّه) بضم الياء وسكون الخاء المعجمة وبالزاي من الخزي في أكثر الروايات، وبالحاء المهملة والنون، فإما بفتح الياء وضم الزاي من حزنه، وإما بضم الياء وكسر الزاي من أحزن، يقال: حزنه الأمر حزنًا بالضم وأحزنه: جعله حزينًا، وحزن كفرح جاء لازمًا فهو من نصر متعد، ومن فرح لازم، استدلت -رضي اللَّه عنها- على ما أقسمت عليه من نفي الخزي عنه -صلى اللَّه عليه وسلم- بما يلوح من جزالة رأيها وأنوار معرفتها وفراستها، وكيف لا وهي أول من آمن بالحقيقة لم يشاركها فيه أحد، ووصفته بأصول مكارم الأخلاق، وهو يدل على أن من كان هذه صفاته لا يخزيه اللَّه، ولا يسلك به إلا إلى صراط مستقيم، ولا يحزنه بإصابة المكروهات في الدنيا والدين.
وقوله: (وتصدق) وفي رواية: (وتؤدي الأمانة).