وَيَرْحَمُ اللَّهُ لُوطًا، لَقَدْ كَانَ يَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ، وَلَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ طُولَ مَا لَبِثَ يُوسُفُ لأَجَبْتُ الدَّاعِيَ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 3372، م: 151].
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله: (ويرحم اللَّه لوطًا لقد كان يأوي إلى ركن شديد) بيانه أن قوم لوط لما قصدوا أضيافه قال: {قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً}، أي: لو قويت بنفسي على دفعكم {أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ} [هود: 80] أي: التجئ إلى قوي أتمنع به عنكم، فيحميني منكم، شبه بركن الجبل ونحوه في الشدة، والجزاء محذوف، أي: لمنعتكم عن أضيافي، فاستغرب -صلى اللَّه عليه وسلم- هذا القول من لوط عليه السلام واستعظمه، وأشار إلى تقصيره فيه، فإن التمسك بعصمة اللَّه وحفظه هو الركن الشديد، وأشد الأركان كلها.
وقوله: (ويرحم اللَّه) كلمة تذكر في مقام إثبات التقصير، وما لا ينبغي أن يفعل، وقدم على وتيرة قوله تعالى: {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ} [التوبة: 43]، فإن قلت: لما كان هذا من باب التقصير فلم قرن بقول إبراهيم، ولا تقصير فيه؛ قلنا: لأن قول إبراهيم وقع في صورة التقصير وغفلة عن قدرة اللَّه تعالى، واللَّه أعلم.
وقوله: (ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف لأجبت الداعي) أي: داعي الملك الذي أتى إليه ليخرجه عن السجن، وهذا القول من رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في يوسف قد يحمل على ثنائه عليه بالصبر وترك الاستعجال بالخروج عن السجن مع امتداد مدة الحبس، ليزول عن قلب الملك ما كان متهمًا من الفاحشة، وهذا الوجه أنسب بما يتبادر من قوله: (ولو لبثت في السجن طول ما لبث يوسف)، وقيل: بل هو إشارة إلى تقصير يوسف في عدم الاستعجال؛ لأنه كان سببًا في هدايتهم بل قيل: إنه كان رسولًا إليهم، ولذا دعا أهل السجن بقوله: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ} الآيات [يوسف: 39]، ولم يكن له طريق إلى دعوة عزيز مصر، فلما وجد إليه سبيلًا قدم براءة نفسه مما نسب إليه