وَإِنَّ هَذَا الْمَالَ خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، فَمَنْ أَخَذَهُ بِحَقِّهِ وَوَضَعَهُ فِي حَقِّهِ فَنِعْمَ الْمَعُونَةُ هُوَ، وَمَنْ أَخَذَهُ بِغَيْرِ حَقِّهِ كَانَ كَالَّذِي يَأْكُلُ وَلَا يَشْبَعُ، وَيَكُونُ شَهِيدًا عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ". مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. [خ: 1465، م: 1052].
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقرب من السرف المذموم لغلبة الشهوة المركوزة في الإنسان لكنه يرجع عن قريب عن ذلك الحد المذموم ولا يثبت عليه، بل يلتجئ إلى التوبة وعلاج نفسه بما يطهره ويزكيه، فهذا إشارة إلى الاقتصاد في شهوات الدنيا كما أن الأول المذكور في قوله: (يقتل حبطًا) إشارة إلى الإسراف والتجاوز عن الحد، بل لا يبعد أن يدّعى أن في الحديث تلويحًا إلى قسم ثالث، وهو الزهد في الدنيا وزينتها مطلقًا، فالمفرط السرف الذي هلك في لذات الدنيا وشهواتها مثال للكافر، والذي أسرف لكنه قد يتحرى في إزالة ذلك ويحتال في دفع مضرتها مثال للمؤمن العاصي، والذي يزهد فيها ولا يلتفت إلى الدنيا وزهرتها مثال للزهد، ولو جعلت الأمثلة الثلاثة للمؤمنين، الأول لمرتكب المعاصي المصرّ عليها، والثاني لمن يفعل ويرجع ثم يقع ويتردد حاله تارةً فتارةً للمؤمن المتوسط الحال، والثالث للزاهد المتقي المشار إليه بقوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر: 32] لم يبعد، فتدبر.
ثم بيَّنَ سبب الوقوع في الإسراف وثبات من يثبت وزلة من زلّ بقوله: (وإن هذا المال خضرة حلوة. . . إلخ)، قال القاضي عياض (?): (خضرة) بفتح الخاء وكسر الضاد، كذا وقع للأصيلي بزيادة التاء في (كتاب الوصايا)، و (كتاب الخمس)، وفي غير هذا الموضع: (خضر حلو) بغير تاء، والخضر بكسر الضاد: من النبات الرخص