طُوبَى لِعَبْدٍ آخِذٍ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَشْعَثُ رَأْسُهُ مُغْبَرَّةٌ قَدَمَاهُ، إِنْ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ كَانَ فِي الْحِرَاسَةِ، وَإِنْ كَانَ فِي السَّاقَةِ كَانَ فِي السَّاقَة،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
إياه في الشدة والبلاء ليسهل عليه ويتسلّى، وهذا أبلغ؛ لأنه أسهل ما يتصور من الإعانة؛ فإذا نفي كان ما فوقه منفيًّا بطريق الأولى، ثم إنا جرينا في حمل هذا الكلام على معنى الدعاء على طريقة الشارحين واتبعناهم، ولكن للحمل على الإخبار بسوء حالهم وهلاكهم وانكبابهم وانتكاس أمرهم مجال واسع، فيكون إشارة إلى أنهم كما خابوا وهلكوا عند اللَّه كذلك خسروا وتضرروا عند الخلق، وصاروا بحيث إذا ابتلوا بشدة ومحنة في الدنيا لم يعنهم أحد ولم يترحم عليهم؛ لأنهم لما صاروا إلى الدنيا بخلوا ولم يحسنوا إلى الناس حتى يحبونهم ويعينوهم في الشدائد، فافهم.
وقوله: (طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه. . . إلخ)، لما ذكر قبيح حال عبيد الدنيا المتكبرين المتزينين زينة الحياة الدنيا أردفه بذكر المهتمين بأمر الدين، المجاهدين في سبيل اللَّه، الزاهدين في الدنيا وزينتها، المتواضعين لأمر الشرع، أذلة في أعين أهل الدنيا أعزة عند اللَّه تعالى.
وقوله: (أشعث) منصوب على الحالية من (عبد)، أو مجرور صفة له، أو مرفوع على الخبرية لمحذوف، و (رأسه) فاعله، وكذلك (مغبرة قدماه).
وقوله: (إن كان في الحراسة) أي: إن أمروه بكونه في أمر الحراسة كان راضيًا به وممتثلًا أمر المسلمين، أو المراد إن كان في الحراسة كان فيها كاملًا؛ لأن الشرط والجزاء إذا اتحدا دل على فخامة الجزاء وكماله، مثل: شعري شعري، و (الساقة) مؤخر الجيش.