وَمَا كَانَ مِنَ النُّبُوَّةِ فَإِنَّهُ لَا يُكَذَّبُ". قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ: وَأَنَا أَقُولُ: الرُّؤْيَا ثَلَاثٌ: حَدِيثُ النَّفْسِ، وَتَخْوِيفُ الشَّيْطَانِ، وَبُشْرَى مِنَ اللَّهِ، فَمَنْ رَأَى شَيْئًا يَكْرَهُهُ فَلَا يَقُصَّهُ عَلَى أَحَدٍ، وَلْيقُمْ فَلْيُصَلِّ، قَالَ: وَكَانَ يَكْرَهُ الْغُلَّ فِي النَّوْمِ. . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
ولم يظهر ذلك في بعض الوجوه، فالأحسن التفويض إلى علم الشارع وعدم إحاطة علومنا بذلك، فتدبر، وسيأتي ذكر هذه اللفظة في الفصل الأول من (كتاب الفتن).
ثم لما علم من الحديث صحة الرؤيا وصدقها أورد كلامًا من ابن سيرين، وقد أعطي -رضي اللَّه عنه- حظًّا وافرًا من علم تعبير الرؤيا لبيان أقسام الرؤيا، وأشار به إلى أن جميع أقسام الرؤيا ليس بصحيحة وقابلة للتعبير والاعتبار إلا قسم منها هو بشارة وإعلام وتعريف من الحق تعالى للعبد، والمراد بقول ابن سيرين: (وأنا أقول) أي: أروي مما ورد من قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، فإنه قد ورد ذلك في الأحاديث.
وقوله: (فلا يقصه على أحد) لأنه لما لم يكن له تعبير واعتبار، فحكايته وقصته عبث مما لا يعنيه، وأيضًا إن قصه ويعبره السامع بتعبير يسوؤه يلزم التوهم والتطير، ويوقعه في الوسواس مع أن للتعبير خاصية في الوقوع كما سيأتي، فالأصل أن لا يقصه على أحد وإن كان لا بد أن يقصه فليقصه على من يحبه كما مرّ في الحديث السابق.
وقوله: (قال: وكان يكره الغل في النوم) الغل بضم الغين المعجمة: الطوق في العنق، واعلم أن في ضمير (قال: وكان يكره) احتمالات، أحدها: أن ضمير (قال) لابن سيرين كما هو ظاهر العبارة بالنظر إلى قوله: (قال محمد بن سيرين)، وعلى هذا التقدير ضمير (كان يكره) للنبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، والمعنى قال ابن سيرين: كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- يكره رؤية الغل في المنام؛ لأنه من صفات أهل جهنم كما قال: {إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ}