وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَرُدُّوا الصَّدَاقَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ، فَجَاءَهُ أَبُو بَصِيرٍ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ وَهُوَ مُسْلِمٌ، فَأَرْسَلُوا فِي طَلَبِهِ رَجُلَيْنِ، فَدَفَعَهُ إِلَى الرَّجُلَيْنِ فَخَرَجَا بِهِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَا ذَا الْحُلَيْفَةِ نَزَلُوا يَأْكُلُونَ مِنْ تَمْرٍ لَهُمْ، فَقَالَ أَبُو بَصِيرٍ لِأَحَدِ الرَّجُلَينِ: وَاللَّهِ إِنِّي لأُرَى سَيفَكَ هَذَا يَا فُلَانُ جَيِّدًا، أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيهِ، فَأَمْكَنَهُ مِنْهُ، فَضَرَبَهُ حَتَى بَرَدَ، وَفَرَّ الآخَرُ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ، فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ يَعْدُو، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لَقَدْ رَأَى هَذَا ذُعْرًا" فَقَالَ: . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: 10].
وقوله: (وأمرهم أن يردوا الصداق) يعني: إن جاؤوا في طلبهن، وقد سلموا الصداق إليهن وإلا لا تعطوا شيئًا، وذلك لأن صلح الحديبية جرت على أن من جاء منكم رددناه، فلما تعذر عليه رد النساء لورود النهي عنه لزمه رد مهورهن، وروي أنه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان بعد بالحديبية إذ جاءه سبيعة بنت الحارث الأسلمية مسلمة، فأقبل زوجها مسافر المخزومي طالبًا لها فنزلت، فاستحلفها رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- فحلفت، فأعطى زوجها ما أنفق وتزوجها عمر لقوله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الممتحنة: 10]، كذا في (تفسير البيضاوي) (?)، ومنه يعلم أن الصلح وقع على رد الرجال والنساء جميعًا على رواية: (لا يأتيك منا أحد إلا رددته)، وقيل: الصلح وقع على رد الرجال خاصة، ورواية الكتاب يعضده لقوله: (لا يأتيك منا رجل)، واللَّه أعلم.
وقوله: (لقد رأى هذا ذعرًا) أي: خوفًا، والذُّعْرُ بضم الذال المعجمة: الخوف، ذُعِرَ كَعُنِيَ، فهو مذعور، وبالفتح: التخويف، كالإذعار، والفعل كجعل، وبالتحريك: