فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ نَحْنُ الفَرَّارُونَ. قَالَ: "بَلْ أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ وَأَنَا فِئَتُكُمْ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ نَحْوَهُ وَقَالَ: "لَا بَلْ أَنْتُمُ الْعَكَّارُونَ". قَالَ: فَدَنَوْنَا فَقَبَّلْنَا يَدَهُ فَقَالَ: "أَنَا فِئَةُ الْمُسْلِمِينَ".
وَسَنَذْكُرُ حَدِيثَ أُمَيَّةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: كَانَ يَسْتَفْتِحُ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
من تخصيصه بالأولياء ووجهه بالمجاز، ولكن عبارة (القاموس) تدل على اختلاف أهل اللغة في معناه، فبعضهم عمموه والآخرون خصصوه، فتدبر.
وقوله: (فقلنا: يا رسول اللَّه، نحن الفرارون) تحسرًا وخجالة واعترافًا بالذنب، فقال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- تمهيدًا لعذرهم ورفعًا للخجالة عنهم: (بل أنتم العكارون) من عكر على الشيء يعكر عكرًا وعكورًا واعتكر: كرّ وانصرف، والعكار: الكرار العَطّاف، كذا في (القاموس) (?)، أي: لستم فرارين، بل أنتم الكرارون، والعطافون إلى الحرب. وقال في (النهاية) (?): يقال للرجل يولي عن الحرب ثم يَكُرُّ راجعًا إليها: عكر واعتكر. والكرار صفة مدح في الشجاعة، وقد وصف [به] علي المرتضى -رضي اللَّه عنه- وكرم وجهه.
وقوله: (وأنا فئتكم) تلميح إلى قوله تعالى: {وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ} [الأنفال: 16]، والفئة: الجماعة من الناس، والمراد في الآية الكريمة الطائفة التي تقوم وراء الجيش يلتجئون إليهم إذا لحق الناس خوف أو هزيمة، جعل -صلى اللَّه عليه وسلم- نفسه الشريف العظيم بمنزلة جماعة من الناس كقوله تعالى: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً}.
وقوله: (كان يستفتح) أي: رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- بصعاليك المهاجرين، وحديث أبي