لَمَّا هَاجَرَ النَّبِيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- إِلَى الْمَدِينَةِ هَاجَرَ إِلَيْهِ، وَهَاجَرَ مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ، فَمَرِضَ فَجَزِعَ، فَأَخَذ مَشَاقِصَ لَهُ، فَقَطَعَ بِهَا بَرَاجِمَهُ، فَشَخَبَتْ يَدَاهُ، حَتَّى مَاتَ، فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فِي مَنَامِهِ، وَهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ، ورآهُ مُغَطِّيًا يدَيْهِ فَقَالَ لَهُ: مَا صَنَعَ بِكَ رَبُّكَ؟ فَقَالَ: غَفَرَ لِي بِهِجْرَتِي إِلَى نبَيِّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَالَ: مَا لِي أَرَاكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ؟ قَالَ: قِيلَ لِي: لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ مَا أَفْسَدْتَ، فَقَصَّهَا الطُّفَيْلُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "اللهُمَّ وَلِيَدَيْهِ فَاغْفِر". رَوَاهُ مُسْلِمٌ. [م: 116].
ـــــــــــــــــــــــــــــ
المهملة، نسبة إلى دَوْس بن عبد اللَّه.
وقوله: (هاجر) أي: الطفيلُ بن عمرو (إليه) أي: إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، و (هاجر معه) أي: مع الطفيل (رجل من قومه فمرض) أي: الرجلُ، و (مشاقص) جمع مشقص بكسر الميم: نصل عريض أو طويل، أو سهم فيه ذلك، يرمى به الوحش، والشقص بكسر الشين: النصيب، و (البراجم) جمع بُرْجُمَة بضم الباء والجيم: العقد التي في ظهور الأصابع يجتمع فيها الوسخ.
وقوله: (فشخبت يداه) أي: سال منهما الدم، والشخب بالضم: ما خرج من الضرع من اللبن، وبالفتح: الدم، وشخب اللبن، كمنع ونصر، فانشخب.
وقوله: (ورآه) الظاهر أنه بلفظ الماضي من الرؤية، عطف على قوله: (فرآه)، وهكذا يوجد في النسخ المصححة، وقد صحح في نسخة أصلنا: (وراءه) بمعنى عقبه، وكتب في الحاشية: ظرف لقوله: (فرآه).
وقوله: (اللهم وليديه فاغفر) أي: كما غفرت لسائر أعضائه اغفر ليديه أيضًا، وفيه دليل على عدم كفره وخلوده في النار لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- دعا له بالمغفرة.