. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــ
أبلغ في انتهاك الحرمة من انتهاك حرمة القسم، فكان بإيجاب الكفارة أولى، وقال مالك والشافعي وغيرهما من أهل المدينة: إنه ليس بيمين ولا كفارة؛ لأن ذلك ليس باسم اللَّه ولا صفته؛ فلا يدخل في الأيمان المشروعة، وقد قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (من كان حالفًا فلا يَحلِفْ إلا باللَّه) (?)، ولم يتعرض في الحديث للكفارة، بل قال: فهو كما قال، ونقل عن أحمد أيضًا كذلك، لكن الأشهر منه هو الأول، ونقل عنه بعض أصحابه أنه قال: أحبُّ إليَّ أن يكفِّرَ كفارةَ يمينٍ.
وكما اختلفوا في كونه يمينًا اختلفوا في أنه هل يصير به كافرًا؟ فقال بعضهم: المراد بقوله: (فهو كما قال) التهديد والمبالغة في الوعيد، لا الحكم بأنه صار يهوديًّا أو بريئًا من الإسلام، كما في قوله: (مَن تركَ الصلاةَ فقد كفرَ)، وقال آخرون: إنه يكفر لأنه إسقاط لحرمة الإسلام ورضًى بالكفر، وعندنا لا يكفر بهذا القول، سواء علق الكفر بفعل ماض أو مستقبل، وعند بعض مشايخنا: إن علقه بفعل ماض يكفر، نحو إن كان فعَلَ أمسِ كذا فهو كافر؛ لأن التعليق بفعل يعلم أنه قد وقع تنجيز، لأن التعليق بشيء كائن ئابت تنجيزٌ معنًى، لكن الصحيح أنه لا يكفر إن كان يعلم أنه يمين، لأن الكفر إنما يكون بالاعتقاد، والمقصود من اليمين زجر النفس وتحذيره عن الفعل بتعليقه بشيء هو مكروه عنده ومحظور، فإن كان عند الحالف أنه يكفر بهذا القول يكفر فيهما، أي: في الماضي والمستقبل؛ لأنه رضي بالكفر حين أقدم على الفعل، هذا محصَّل ما ذكر في (الهداية) (?)، و (شرح الوقاية) (?).