فَأَمَرَهَا أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ، ثُمَّ قَالَ: "تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي، اعْتَدِّي عِنْدَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَكِ،
ـــــــــــــــــــــــــــــ
وقوله: (يغشاها أصحابي) أي: يدخلون عليها، فإنها كانت امرأة كريمة صالحة فاضلة يزورها الناس وتضيفهم.
وقوله: (فإنه رجل أعمى) لا يدل على جواز نظر المرأة إلى الأجنبي؛ فإن المقصد أنك آمنة عنده من نظر غيره، فإنه لا يتردد إلى بيته الناس، كما يترددون إلى بيت أم شريك، وأما غض بصرك عنه فبحاله كما دل عليه نص القرآن، وحديث أم سلمة: (أفعمياوان أنتما؟ )، وقد احتج بعض الناس بهذا الحديث على جواز نظر المرأة إلى الأجنبي الأعمى بخلاف نظره إليها، والصحيح الذي عليه الجمهور أنه حرام.
وقوله: (تضعين ثيابك) خبر في معنى الأمر، أي: ضعي ثيابك، ولا تلبسي ثياب الزينة في حال العدة، ويحتمل أن يكون معناه -واللَّه أعلم- أنك تكونين في بيته بلا تكلف، تضعين ثيابك وتجردين؛ لأنه ليس هناك من تخافين من نظره.
اعلم أن هذا الحديث من فاطمة بنت قيس يدل على أنه لا نفقة ولا سكنى لمعتدة الثلاث، أما نفي النفقة فصريح، وأما نفي السكنى؛ فإنها إنما تكون في بيتها لا في بيت الناس، وإلى هذا ذهب الإمام أحمد، وهو مذهب ابن عباس أنه لا نففة ولا سكنى لمعتدة الثلاث لهذا الحديث.
وقال مالك والشافعي وآخرون: لها السكنى لقوله تعالى: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ} [الطلاق: 6]، ولا نفقة لهذا الحديث، وقال أبو حنيفة وآخرون وهو قول عمر -رضي اللَّه عنه-: لها السكنى والنفقة، وقد قال عمر -رضي اللَّه عنه-: (لا ندع كتاب ربنا بقول امرأة).